الزوجة تتابع المسلسل التركي بشغف، والأب في حجرة أخرى يتنقل بين "العربية" و"الجزيرة" كأنه ينتظر خبر تعيينه وزيرا! والابنة منزوية تتابع برنامج مسابقات غنائيا وتجتهد في مناصرة المتسابق الأكثر (حلاوة) بأموال أبيها! وأخوها الكبير يتواصل (في الركن البعيد الهادي) عبر "الواتس أب"! والابن الأصغر يلعب سباق سيارات مع صديقين، أحدهما في مكاو، والآخر في بنما! والعاملة المنزلية تعرف مسبقا أنهم لن يجتمعوا على "سفرة" واحدة للعشاء، لذلك لا تكلّف نفسها عناء السؤال، وتأخذ لكل واحد عشاءه إلى حجرته، ثم تذهب وحيدة إلى غرفتها!
أي "تشتت" هذا الذي نعيشه في بيوتنا مع هذه الأجهزة! وأي نوع من البشر نعد للمستقبل، وعن أي أسرة نتكلم وكل فرد فيها يعيش في قناة مختلفة، لا يكاد يجرب معاني عرفها من يسمونهم اليوم بـ"الطيبين" وهي الأجمل في الحياة مثل: الشوق والحنين والتقاء العيون.. والضحكة التي تنتزع من شغاف القلوب، وروح المحبة التي تنتشر في مكان واحد يتردد فيه الدعاء بالخير، ويذكر فيه اسم الله مع كل كلمة، حتى تكاد تشعر بحفيف الملائكة حوله.
اليوم يدخل أحدنا بيته ويلقي سلاما باهتا باردا دون أن يرفع رأسه وينظر في وجوه الآخرين ثم يهرع إلى معتزله مع أحد أجهزة الانقطاع التي يسمونها أجهزة اتصال! وهكذا تمضي الحياة القصيرة دون أن يعيشها، أو يستمتع بها. ومع كل اختراع جديد تزداد العزلة، لذلك إن كنت رب أسرة فعليك أن تتدارك اللمسة الإنسانية في أهلك، أن تجبرهم على أن يعيشوا ولو ساعة يوميا مع بعضهم بعضا، تقطع فيها كل أجهزة الاتصال وتوصل حبال العائلة.