بعد يوم من صدور مذكرة اعتقال بحق زعيم حزب الله العراقي ومؤسس "جيش المختار" واثق البطاط، شهدت أحياء في العاصمة بغداد ومدن في وسط وجنوبي البلاد، توزيع استمارات للحزب المذكور لغرض التطوع في الجيش الذي يعد في نظر معظم القوى السياسية والمنظمات والفعاليات الشعبية بأنه يمثل عودة لنشاط الميلشيات المسلحة.

ونقلت وسائل إعلام محلية عن المتحدث باسم جيش المختار و"آمر اللواء 21 في الجيش" عبدالله الركابي أن "جيش المختار بدأ، بتوزيع استمارات التطوع للشباب الراغبين في الانضمام للجيش"، مبينا أن "عملية ملء استمارة المعلومات لغرض التطوع تمت في منطقة الكسرة شمال بغداد".

وأضاف أن "الاقبال كان جيدا جدا من العراقيين كافة، خاصة خارج بغداد من ديالى والبصرة والناصرية والنجف وكربلاء"، مشيرا إلى "توزيع ثمانية آلاف ومئة وعشرين استمارة لمنتسبي جيش المختار". وزعم الركابي أن "هذا الجيش سلمي ويعاون الأجهزة الأمنية تحت لواء الحكومة، إذ إن الأمن يبدأ من المواطن"، مشددا في الوقت نفسه أن "الأمين العام للحزب واثق البطاط، يؤكد على الوحدة الوطنية ونبذ الطائفية". وذكر أن "جيش المختار هو منظمة مجتمع مدني سلمية تنبذ العنف، وهدفها خدمة الشعب والحكومة والأجهزة الأمنية"، لافتا إلى أن "المتطوعين سيعملون للقضاء على الفساد الموجود في مجلس النواب والوزارات وإلقاء القبض على البعثيين الموجودين في الأجهزة الأمنية".


تغرير بالشباب


وفي حي الكسرة المجاور للأعظمية استطلعت "الوطن" آراء عدد من المتطوعين المغرر بهم بشأن جيش المختار، وكانت إجاباتهم متماثلة، مما يعكس خطورة الأمر. وزعم الشاب سجاد جابر من مدينة الشعلة: إن "التطوع لجيش المختار هو نصرة للمظلوم ولتحقيق المطالب المشروعة للمتظاهرين"، وأن الجيش سيساند الشعب العراقي".

وكان حزب الله العراقي "النهضة الإسلامية في العراق" قد أعلن عن تشكيل جيش "شعبي مناطقي يدعم توجهات الحكومة في محاربة الفساد وتنظيم القاعدة". وقال إن هذا الجيش الذي أطلق عليه اسم "جيش المختار" سيكون "على أهبة الاستعداد إذا ما حاول الجيش العراقي الحر، أو تنظيم القاعدة استغلال التظاهرات التي تجري في بعض محافظات العراق".

وحتى حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي، قد استشعرت ما يعرف بـ"جيش المختار"، فقد أكد المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء علي الموسوي، أن الأنباء التي تحدثت عن تشكيل "جيش المختار" مثيرة للفتنة، وتسبب قلقا لدى المواطنين. وقال إن الحكومة ستلاحق زعيم حزب الله "النهضة الإسلامية" قضائيا لاتخاذ الإجراء المناسب بحقه.

ومن جهته أبدى النائب عن القائمة العراقية حيدر الملا، استغرابه من تصريحات أمين عام حزب الله في العراق واثق البطاط الأخيرة، والتي أعلن خلالها تشكيل "جيش المختار"، متهما إياه "بتهديد أبناء الشعب العراقي"، فيما شكك بوجود قرار حكومي بالقبض عليه.


أرض تلد ميليشيات


الواقع العراقي يوصف من قبل المتابعين بأنه أرض خصبة لولادة الميليشيات، فعجز الدولة عن بسط الأمن في البلاد شجع الكثير من الجماعات على أن تنظم نفسها في البدء للدفاع عن حي أو مجموعة صغيرة من السكان، ثم تطور الحال ليصل إلى تشكيل ميليشيات، فرضت هيمنتها على الساحة العراقية خلال الأعوام من بداية 2004 وحتى نهاية 2008. وشهدت تلك السنوات مظاهر الاحتقان والعنف الطائفي والتهجير القسري، بعد تفجير مرقد الإمامين في سامراء. علما أن القوى التي شاركت في مجلس الحكم، وفيما بعد في الجمعية الوطنية، كانت لديها ميليشيات مثل: فيلق بدر، ومجاميع حزب المؤتمر بزعامة أحمد الجلبي، والبشمركة، فضلا عن جيش المهدي الذي شكل من قبل التيار الصدري، وعصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله. ولم تقتصر الميليشيات على الطرف الشيعي، بل امتدت إلى الطرف الآخر بتشكيل الجيش الإسلامي، وكتائب ثورة العشرين، وجيش محمد، وفيلق عمر. وكانت المجاميع المسلحة التي توصف بالسنية، تقاوم القوات المحتلة، وفي الوقت الذي توفرت فيه لمليشيات الأحزاب المعارضة للنظام السابق فرصة الدخول إلى الجيش الجديد، لم تكن هذه الفرصة ممنوحة لفصائل أخرى، وظلت هذه القضية واحدة من الأمور الخلافية القائمة بين الأطراف المشاركة في الحكومة حتى الآن.


الشعب يرفض العنف


لم يكن لأي طرف الفضل في تجاوز مخاطر الحرب الأهلية في العراق. فالحكومة ليس لها أي دور في ذلك، وكذلك القوات الأميركية قبل انسحابها من البلاد نهاية العام 2011. وتم تجاوز حالة الاحتقان بجهود رجال العشائر بالدرجة الأولى وتشكيل الصحوات، وملاحقة عناصر القاعدة التي كانت السبب في إثارة القتل الطائفي والفتنة. وهذه الحقيقة تؤكد أن نزوع العراقيين على اختلاف مكوناتهم تتجه نحو السلم والاستقرار، لا سيما أن الروابط الاجتماعية بين العراقيين تتعدى في كثير من الأحيان الانتماءات الطائفية، ولهذا كان رد الفعل المضاد لتشكيل جيش المختار قويا جدا، وعبر عن رفض شعبي لمحاولات استخدام المشاعر الطائفية والدوافع المذهبية لإثارة الفرقة بين العراقيين. واستنادا إلى هذه الحقيقة وبعد أن تفوق الأداء الشعبي على السياسي، تم الإعلان عن تجميد نشاط جيش المهدي، وأعلنت فصائل مسلحة أخرى انضمامها إلى مشروع المصالحة الوطنية.


سلعة إيرانية

على الرغم من الإجماع العراقي الشعبي على رفض عودة الميليشيات للساحة، إلا أن ما شهدته منطقة "الكسرة" بوجود عشرات الشباب للتطوع لا يعبر عن الصورة الحقيقية في رغبة الحفاظ على السلم الأهلي، والحد من نشاط أي أنواع من الميليشيات سنية كانت أو شيعية، ولكن هناك غايات في اختيار هذا الحي ليكون مركزا للتطوع؛ لأنه قريب من حي الأعظمية ذي الأغلبية السنية، وبذلك يتم إيصال رسالة إلى الحي المجاور. وحزب الله الذي تؤكد كل المعلومات أنه مدعوم من إيران اختار حي الكسرة لغايات حصول احتكاك بين أبناء الطائفتين.

بعد العام 2003 شهدت الساحة العراقية ولادة أحزاب وتشكيل أخرى، وكلها أعلنت تبنيها مقاومة الاحتلال الأميركي، وفي محافظة البصرة وحدها كان هناك أكثر من 20 تنظيما سياسيا جاء من إيران، ومنها حزب الله، لتمارس نشاطها في محافظات الجنوب والوسط، وبعضها متورط بارتكاب جرائم إرهابية، وحوادث قتل مدنيين ومسؤولين. وفي صولة فرض القانون في العام 2008 وعندما كان نوري المالكي يحظى بتأييد ودعم الشركاء من أمثال طارق الهاشمي وإياد علاوي، تم تطهير البصرة من الخارجين على القانون. ولكن سرعان ما جمع هؤلاء شتاتهم، ومنهم مؤسس جيش المختار، الذي لا يستبعد أن يكون مدفوعا من قبل أطراف حكومية، وآخر المعلومات عنه تفيد بأنه غادر العراق ومن المتوقع أنه توجه إلى إيران وعن طريق المطار، وذلك بعد ساعات من صدور مذكرة اعتقال بحقه.


الوعي أقوى من القتل


العراقيون المتذمرون من واقعهم الحالي، والساخطون على القادة السياسيين، ما عادوا يستجيبون لدعوات تشكيل ميليشيات، فسنوات الاحتقان الطائفي أعطتهم درسا بليغا، يتمثل في أن الخاسر في الصراع هو شعبهم، ولذلك حين أطلق واثق البطاط دعوته استقبلت بالسخرية من غالبية العراقيين، مما يعني أن وعي العراقيين أصبح أقوى من دعوات الاقتتال بذرائع الدفاع عن المذهب والطائفة.