قبل أن أدخل في موضوع اليوم أود أن أتقدم بأطيب التهاني للقراء الكرام بحلول شهر رمضان المبارك، سائلاً المولى عز وجل أن يتقبل من الجميع الصيام والقيام.

منذ 13 عاما صدر قرار مجلس الوزراء بإنشاء الهيئة العليا للسياحة كهيئة حكومية تعنى بالقطاع السياحي في المملكة، وتأكيداً على اعتماد السياحة قطاعا إنتاجياً، وتعزيز دوره وتذليل العوائق التي تحول دون نموه، وزيادة فرص الاستثمار، وتنمية الإمكانات البشرية الوطنية وتطويرها، وإيجاد فرص عمل جديدة للمواطن السعودي.. ثم في عام 1424 صدر الأمر بضم الآثار إلى الهيئة العليا للسياحة. وفي عام 1429 صدر قرار مجلس الوزراء بتعديل مسمى الهيئة ليصبح المسمى الجديد: الهيئة العامة للسياحة والآثار.. هذه المقدمة تعطينا لمحة عن تنظيم وأهداف الهيئة العامة للسياحة ودورها وأهميتها. فما الذي تحقق على مدى أكثر من عقد من الزمن في مجال تحقيق أهدافها؟

الحقيقة - وحتى أكون منصفا - فإن الهيئة سعت قدر جهدها وباهتمام من الأمير المتحمس سلطان بن سلمان رئيس الهيئة وفريق عمله، وبعد أن أسست لعملها باللوائح والأنظمة، إلى الانفتاح أولاً على الجهات الحكومية ذات العلاقة بعمل وأهداف الهيئة، والتي تتقاطع مصالحها مع الهيئة وصولاً إلى رسم استراتيجية وشراكة مع تلك الجهات لإنفاذ أهداف الهيئة واقعاً ملموساً للمواطن، ومع كل هذا الاهتمام فقد عبر رئيس الهيئة في لقاء مطول قبل عام مع صحيفة الاقتصادية عن خيبة أمله من بعض الجهات ذات العلاقة المباشرة بعمل الهيئة، والتي لم تكن تساير طموح الهيئة، ولكن مع ذلك هناك أمل، حيث يقول الأمير في مناسبة حضرها مؤخراً أن: "التأخير الحاصل في قطاع السياحة الوطنية منحنا فرصة لأن نبني الشراكات والمسارات والأنظمة وكثيرا من المشاريع".. جهد مقدر بلا شك، لكن الأهم أن يكون المنتج الذي تسعى إليه الهيئة في مستوى الأمل والعمل، والذي أظن أنه ما زال أمامه طريق طويل!

لن أتحدث اليوم عن آلاف السعوديين الذين يجوبون أصقاع الدنيا شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً، وما يعنيه ذلك من استنزاف اقتصادي، ولا عن معوقات السياحة الداخلية؛ بل سأركز حديثي على أسعار الفنادق والوحدات السكنية المرتفعة التي تشتعل في المواسم وترتفع أضعاف الأيام العادية، خاصة مع حلول شهر رمضان الكريم، وأجزم أن من أهم الأدوار التي يجب أن تلعبها هيئة السياحة هو كبح جماح أسعار الفنادق في المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة في شهر رمضان، حيث يفد إليهما آلاف المعتمرين طوال العام - وبمناسبة العمرة فإني أكبر اتخاذ القرار بتقنين أعدادها التي وصلت إلى أرقام ضخمة لا يتسع لها المسجد الحرام حاليا - أقول هل من المنطق أن ترتفع أسعار الفنادق ومعها المأكولات إلى هذا الحد غير المعقول دون حسيب أو رقيب لا من الهيئة ولا من التجارة ولا من الأمانة؟ خاصة في المنطقة المركزية، هذا إن كانت الحجوزات متوفرة أصلا!! وقد اتصلت بأحد الفنادق التي اعتدت السكن فيها فأخبروني أن السعر في رمضان ثلاثة أضعافه في غير رمضان! ولعلك تستغرب أن القادم من الخليج مثلاً يحصل على أسعار أيسر وأقل في مكة والمدينة مما يحصل عليه المواطن؛ فما الذي جعل الشركات السياحية هناك تقدم عروضاً معقولة للعمرة ولا يجد المواطن مثل تلك العروض في وطنه، وإن وجدها فهي ليست بنفس الأسعار التي يحصل عليها غيره؟ وفي غير مكة والمدينة فإن ارتفاع الأسعار يشمل أيضاً المدن الساحلية ومدن الاصطياف.. ذلك عن أسعار الفنادق والوحدات السكنية؛ فماذا عن أسعار المأكولات والمشروبات في الفنادق الرئيسة.. من يراقبها؟ كيف يكون سعر كوب الشاي في بعض الفنادق الكبيرة في مدن رئيسية بثلاثة أضعاف سعره في المدن الأصغر؟ قد يقال إن هناك فرقاً في التكلفة والمستويات، فأقول: مهما كان الأمر فالمسألة نسبة وتناسب بين هذه وتلك، بل رأيت شخصياً في موسم الحج ما هو أشد من ذلك، حيث للطاولة الخالية سعرها قبل أي طلب، أي أنك تدفع للمكان! أنا أتفهم زيادة الأسعار في المواسم، لكن هل تكون بهذا الارتفاع غير المعقول؟ هناك من المتشائمين من يقول إن هيئة السياحة تغض الطرف، وإنها تعلم تسعيرات الفنادق وأماكن الإيواء مثل الشقق المفروشة.. وما دام الحديث عن المواسم وذروتها أنتقل إلى الحديث عن النقل الجوي وقدر هيئة السياحة متابعته والتنسيق بشأنه وخاصة مع الخطوط السعودية، وأظنها - أي الهيئة - بذلت كل جهد ممكن في سبيل تذليل مصاعب النقل الجوي المحلي؛ إذ ترأس رئيس الهيئة العامة للسياحة الأمير سلطان بن سلمان مؤخراً اجتماعاً تنسيقياً مع مسؤولي شركات الطيران المحلية لبحث مواكبة النقل الجوي في تعزيز الحركة الداخلية، وزيادة الطاقة الاستيعابية في الصيف وفي المواسم، باعتبارها - أي شركات الطيران - هي الأساس في النقل الداخلي، وقد استبشرنا خيراً بقرار هيئة الطيران المدني الترخيص لناقلين جديدين للرحلات الداخلية، وذلك بعد عقود من احتكار الخطوط السعودية والتي يجب إنصافها، فكثافة السكان وكون النقل الجوي هو محور التنقل بين مناطق المملكة الشاسعة جعل من الصعب الإبقاء على شركة طيران واحدة في المملكة، وبعد تجربة "ناس" و"سما" نصف المتأرجحة بين النجاح والفشل! استبشرنا بالترخيص لناقلين جديدين، ولكن حتى هذه البشرى تواجه - كما نشر في هذه الصحيفة قبل فترة وفي صفحتها الأولى - معوقات وصعوبات لم تحل بعد! تتمثل في أسعار الوقود ومطالبتهما أن تعاملا معاملة الناقل الوطني، ولا يزال الأمر بيد "أرامكو" ووزارة المالية، كما أفهم، ولعله يحل قريباً، إن شاء الله، وصولاً إلى حل أزمة عانى منها المواطنون كثيراً.. كل عام وأنتم بخير.