القتل من أجل القتل؛ هذه هي الفلسفة العجيبة التي يتميز بها الإنسان، وهو ما حير الملائكة فيه حين قالوا وهو يتمخض في ولادة الظهور فقالوا للرب: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟
فكان جواب الرب: إني أعلم مالاتعلمون؟
وهذه الفكرة ندين بها للمفكر السوري جودت سعيد فهو الذي حاول أن يبني عليها فلسفته في العنف واللاعنف، على هذه الآية وعلى الآيات الست العجيبة في قصة الصراع بين ولدي آدم التي وردت في سورة المائدة بعد قصة موسى، والمحاولة الفاشلة في دخول الأرض المقدسة التي كتبها الله لهم؟
الإنسان يقتل أخاه مستخدما سلاحا يتطور باستمرار، وهكذا فمن عند ابن آدم الأول الانثربولوجي منذ حوالي مائتي ألف سنة حسب المعلومات الأنثروبولوجية الحديثة تطور السلاح بين نقطة البدء وبين العصر الذري الذي نعيش فيه بعد أن أخذ وقتا طويلا من تطوير تقنيات القتل.
ولعلها كما حصرها العسكريون أنها مرت في ثلاث مراحل رئيسة من تناوب الصدم والسرعة.
الأولى اعتمدت الساعد والعضلات والحديد الذي تسربل أجساد المقاتلين وأعطى للسيف مضاءه في القطع والإيذاء، أو الدروع الجاسئة التي حمت الإنسان من بأس الإنسان.
أما المرحلة الثانية فكانت في اختراع النار والبارود بحيث قلب استراتيجيات الدفاع والهجوم، ولم يعد مكان للقلعة والسور مع وجود الفرق المقاتلة المسلحة بالبارود والمدفع، وهذا بدوره كما يقول الخبراء رفع (مشعر Index) القتل فبعد أن كان واحدا ارتفع إلى 18 ألفا.
ومع تطور تقنيات الطيران والصاروخ وانتهاء بالسلاح الذري والكيماوي والشعاعي والبيولوجي بلغت القوة سقفها فليس من مزيد، باستثناء نهاية الحياة على الأرض وفناء الإنسان، وهو احتمال وارد فحماقة الإنسان ليس لها نهاية.
وقَّع الرئيس الأمريكي ترومان في قرار واحد على مسح مدينتين يابانيتين من الوجود، وكان اجتهادهم أن عناد اليابانيين ويأسهم لاحد له ولن يستسلموا بحال، فمثلا حتى تمكن الأمريكيون من احتلال جزيرة أوكيناوا اليابانية فقد كلفهم هذا مقتل 75 ألفا من خيرة شبابهم.
ولقد شاهدت أنا شخصيا مسلسلا في ألمانيا بعنوان الحرب التي لاتنسى وسجلتها باللغة الألمانية عندي في نظام (VHS) وأشتهي أن أراها مرة ثانية، وكان عمي زكي رحمة الله عليه يقول لي حين تفرغ سأقص عليك أهوال الحرب الكونية، ولكني أظنه كان مبالغا لا أكثر، وأنا عكفت جدا على فهم الحرب الأخيرة، ولكن ليس لعمقها قرار، وتخرج الأسرار كل يوم بشيء جديد, ومن أعجب ماقرأت أن ناجازاكي ألقيت عليها قنبلتان ذريتان من نوع 239 البلوتونيوم، واحدة لم تنفجر سلمها اليابانيون للروس ومنها ـ أي الروس ـ بنوا سلاحهم الذري.
ومما قرأت أيضا عن تجارب ألمانية ناجحة على السلاح الذري من النوع الصغير قبل نهاية الحرب.
ويبقى السؤال الهائل المطروح ماذا كان مصير العالم لو تمكن هتلر من الوصول إلى السلاح الذري قبل أمريكا؟؟ ففتك بروسيا ودمر بريطانيا ومن خلفها أمريكا ثم التفت إلى اليهود في وداع أخير؟
إنه سؤال مطروح محير ؟؟
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون.