أتساءل الآن ما الذي يفكر فيه الرئيس المصري المعزول (محمد مرسي العياط)، وهو الذي كان قبل عزله بأيام وساعات معدودة رئيساً كامل الصلاحيات لأرض الكنانة التاريخية، وهل يشعر بالندم على تفويته لفرص الالتقاء الكثيرة بالمعارضين لسياسته، والتي طُرحت على طاولته من مختلف الوسطاء؟ هل يلوم نفسه على أسلوب ونوعية خطابه الإقصائي لما نسبته (48.27%.) من الشارع المصري! أم إنه ما زال يراهن على موقف الديمقراطيين الأميركيين الداعم له، وصوت رابعة العدوية المتواضع مقارنة بهدير ميدان التحرير؟ أسئلة عديدة تبحث عن إجابات لن يجيب عنها سواه فقط، على الرغم من حسم شارع المعارضة الذي يحظى بتعاطف الجيش المصري للأمر، وهو ما تفصح عنه النتائج على الأرض.
مرسي الذي حاول جاهداً تقديم نفسه للجمهور كخليفة عربي جديد للمسلمين، لم يكن يحمل الكارزما اللازمة لإتمام ذلك، فهو لا يتمتع بالصفات القيادية النوعية، التي تدل على شخصية القائد الحقيقي، وظهر أقل قدرة بفكره وثقافته وإمكاناته السياسية المحدودة من مقعد الرئاسة، وكشفت الأشهر الأولى من رئاسته تخبطاته السياسية بدءاً بفرضه (للدستور الجديد) وانتهاءً بتوزيع مناصب الدولة، على أصحاب الانتماءات الحزبية والفكرية (الإخوانية) لا على أساس الكفاءة الإدارية! كما أن مطولات خطبه الحماسية الصوتية، بدت (مملة) بتكرار المفردات والجمل والمحاور! ودليلاً آخر على محدودية الرؤية السياسية وأبعادها الجماهيرية الشعبية. وكنت أشفق على مصر والمصريين، كلما قام مرسي خطيباً في الجموع أومتحدثاً لوسائل الإعلام! لأن بلداً عظيماً مذهلاً وتاريخياً كمصر، لا يمكن إدارته برؤية أحادية لا تراعي تنوعه الفكري والديني والثقافي. ففي الوقت الذي كان يتوجب عليه البدء بالعمل على ترتيب البيت المصري من الداخل أولاً، كتقديم مشروع وطني توافقي مع الأجنحة السياسية الأخرى مثلاً، يحقق من خلاله توازناً مطلوباً وملحاً، يضمن له على الأقل أرضية عمل صلبة ومنطقية لترجمة أحلام ثورة (25 يناير 2011م) المصرية، والشروع في تدشين دولة القانون والمجتمع المدني، لتكون مصر مثالاً عربياً رائداً كعادتها؛ إلا أنه كان يفاجئنا بمواصلة مواجهة وتحدى خصومه بعناد وبرود شديدين! ومثل هذه الخطابات السياسية تناسب أصحاب الأملاك والعزب والأطيان، ولا يمكن، منطقاً، أن تكون مقبولة من رئيس دولة إلى شعب وشركاء.
خطب مرسي وتحدث إلى الأمة المصرية أكثر مما فعل، وهدم صورة (الإخوان) في عام واحد، وهو ما لم يستطع تحقيقه خصوم (الإخوان) أنفسهم، وهذا ربما سيذكره له التاريخ المصري.
مرسي خلال سنة واحدة، كان ممثلاً لفكر جماعة الإخوان، وقدم أنموذجاً لفكرهم السياسي، وأتوقع أن العالم يسخر من الطريقة العجيبة التي أدار بها الإخوان الأمور في دولة بحجم مصر في (سنة أولى حكم)، فقد أثبت (الإخوان) أنهم أقل بكثير من مهمة كهذه، ولم ينجحوا في ذلك بقدر فشلهم في ترجمة "مشروع النهضة الشاملة" الوهمي! وأحد الشعارات التي خطفوا بها كثيرا من عقول المصريين. وفي تصوري أن الإخوان حتى وهم يحكمون، لم يصدقوا ما حدث، لذلك جاءت خطاباتهم منفعلة ومتغطرسة، واحتاروا في كيفية إيجاد مخارج منطقية لإعلاناتهم الإصلاحية تلك، مهما حاولوا تزييف الأمور للجمهور، والواضح أن أكثر منجزات حكم الإخوان لمصر خلال سنة وضوحاً وتأثيراً، تمثلت في: تقسيم الأمة المصرية إلى (مسلمين وكفار)، وهو ما لم يحدث تاريخياً مثلما يحدث الآن في الشارع المصري، ظهور لغة التكفير وفكره التصنيفي الإقصائي بطريقة مقززة، وارتفاع معدلات السباب واللغة الهابطة التي تلقتها آذان الجمهور!
تاريخياً يُعتبر قادة الإخوان الحاليون من الجيل الثاني لجماعة الإخوان، وهذا الجيل نشأ على فكر سيد قطب الإقصائي، الذي بني كثير منه نتيجة المواجهة بينهم وبين جمال عبدالناصر، وبالتالي فقد أفرزت تلك المرحلة جيلاً آخر يحمل فكراً إخوانياً جديداً، انخرط في الحياة الاجتماعية العامة على طريقته، بدلاً من الحياة السياسية، نتيجة منعه من تأسيس حزب سياسي، لكنه مارس العمل السياسي سرياً، وحين سنحت الفرصة لإطلاق فكرهم السياسي، لم يكونوا قادرين على التخلص من هاجس السيطرة وفكرة المؤامرة، وفات عليهم فهم طبيعة المجتمع المصري الجديد، الذي تغيرت ملامحه وطرق تفكيره عن السابق كثيراً، وقد دلل على ذلك اختلاف الخصم وأدواته، فاليوم يواجهون المجتمع وليس الحكومة.
لقد أظهروا الإسلام في الشكل البراغماتي الغائر في الفكرة البراغماتية، والإسلام لا يمكن أن يكون براغماتياً مطلقاً، لجماعية روحه ودعوته العالمية، لكن ذلك التوجه هو توجه جماعة تعزل نفسها عن كل شرائح المجتمع، وليس توجه جماعة الأمة الواحدة.
نحن في الجزيرة العربية لم نكن نعرف المصري إلا أنه مصري فقط، ويا له من لقب فخم أن تكون مصرياً، أما اليوم فقد حول (الإخوان) في مصر تسميات التصنيف الجديدة العنصرية (مصري مسلم، ومصري مسيحي قبطي)! وهذا شق خطير لبنية المجتمع المصري غير مسبوق، يعيدها قروناً إلى الخلف، فمصر على مر التاريخ لم تهتم لمثل هكذا أطروحات مُفرقة، التي يحاول الإخوان جرها إلى مربعهم الفكري الإقصائي التصنيفي، ولأن منجز الثورة المصرية أساساً لم يكن منجزهم على الإطلاق، فقد غابت عنهم أهداف وروح وطموح تلك الثورة العملاقة، واعتقدوا أنهم بوصولهم إلى سدة الحكم قد قبضوا على سلطة القرار كله، ففاجأهم الشعب بهديره العظيم: نحن هنا.