• ومع "رمضان" قصتنا المكرورة باختصار، استنفار حقيقي بِسِمات جديدة تفوح منها عادات خاصة وطقوس مترنحة جعلت منه شهراً نمارس فيه أخطاءنا بكل أسف ووضوح، مع ممارسات تتنافى مع مقاصده وفضيلته وروحانياته.

• نبدأ استقبال شهرنا "الكريم" بحالات هستيرية من الشراء والتبذير دون تخطيط أو حدود، ليزيد حجم إنفاقنا على المشتريات، ويرتفع استهلاك ميزانيتنا إلى الضعف، وعملياً كان يجب أن يكون أقل كثيراً لأن 65 في المئة من وقت يومنا صوم ونوم، ولكننا نصر كل عام على أن يتحول شهر العبادة إلى شهر استهلاكي من الدرجة الأولى وبإنفاق في غير محله وشراء أكثر من حاجته، ليبقى غياب صيانة النعمة مع عدم تذكر أن هناك من لا يجد من يسد رمق صيامه!.

• في شهرنا الكريم.. إسراف في أكل الوجبات، وسفر عريضة تتعدد بمختلف الأشكال والنكهات.. وكأن بطوننا فعلاً لا تعرف الأكل إلا في رمضان، وعندها لا نستغرب عندما تشكو مستشفياتنا من استنفار عدد مراجعيها من أجل مشاكلهم الباطنيّة وتلبكاتهم المعويّة، وهنا كذلك تناقض آخر، فعلى رغم أن وقت الصائم يقضي منه 60 في المئة ممتنعاً عن الأكل فيما 40 في المئة يكون لديه فرصة للأكل!.

• في شهرنا الكريم.. يزداد جشع "كثير" من تجارنا في هذا الشهر "الذهبي" بتحايل مدروس ومخطط، بدءاً من إعلانات البضائع وعروض الأسعار الملعوبة الملتهبة لتصل الزيادة في قيمة البضائع من 15 حتى 20 في المئة من القيمة الحقيقية في أيام "الفطر"، حسب أرقام سوقنا "المرن"!.

• "رمضان".. مرتع حوليٌّ "دسم" لتنافسٍ شره بين الفضائيات حتى الإغراق، وبكمٍّ هائل من برامج ومسلسلات ومسابقات.. إعلاناتها والإعداد لها يسبقها بأشهرٍ، استعداداً لاستنزاف الجيوب والعقول معاً.. وهنا فقط، دعونا نقف وبلغة الأرقام عند رمضان الماضي، لنجدَ أنَّ "العربي" يتربع مشاهدةً لـ90 ساعة من الدراما يومياً تكون موزعة على نحو 120 عملاً دراميّاً تتنافس على عرضها القنوات العربية الفضائية والأرضية، وبميزانية وصلت إلى أكثر من 200 مليون دولار، ليستحوذ رمضاننا "السعودي" بمفرده على نحو 60% من إجمالي حصيلة الإعلانات في منطقتنا العربية والتي تبلغ قيمتها نحو 5 مليارات دولار سنوياً موجهة نحو البطون وترهل العقول!.

• في شهرنا الكريم.. وامتداداً لمسلسل هدر طاقات شبابنا وإضاعة أوقاتهم.. نجدهم يتمركزون بعد برامج الإفطار والأوقات "الذهبيّة" بالتكدس في الأسواق وجلسات متسمرة ودوريات للعب البلوت بين المقاهي والاستراحات في أجواء ضبابية تتأرجح بين دخان الأرجيلة والشيشة وأضواء جاذبة تختلف من مقهى لآخر.. أما الصباحات فمع فصول هزلية لموسم "التفحيط" وأدواته في كل مدينة!.

• في شهرنا الكريم.. كثير من موظفي دوائرنا الحكومية ووزاراتنا يرون أن "رمضان" منطق قويّ وإجازة إضافيّة مبررة من المسؤوليّة وحجج الغياب وهدر الإخلاص في العمل.. ليضيف موظفونا صياماً عن العمل كما هو عن "الأكل" فقط!.

• في شهرنا الكريم.. ازدحام تكتظ به الشوارع وحالات من النرفزة عالية (الكوليسترول) بسب ولعن وشتم وتضجّر وضيقة صدر، لأن الكثير "صائم" عن "صحن فول"!.

• رسمنا لهذا الشهر اجتماعياً وإعلامياً واقتصادياً عادات وخططاً وممارسات خاطئة انعكست تربوياً على أبنائنا ونظرتهم التي انعكست قسراً "منا" عليهم، عادات إن جاز لنا التعبير، أصبحت رسماً لدخول "لاوعيّ" و"قلوب" أبنائنا في استقبال رمضان بتفرد خاص، وحالة (اعتكاف) فضائية سنوية وممارسات خاطئة من المجتمع تتناقلها الأجيال.

• أساس الحلول وأصوله هي مؤسستنا التربوية بدءاً من الأسرة، فواجبها ووعيها الإدراكي تكثيف رسائل "رمضان" الراقية بتخطيط واضح لما يتطلّبه هذا الشهر الكريم ليكون شهراً لضبط النفس، اللسان، الإسراف، إعادة ترتيب الأوراق، محاسبة النفس ونهيها عن الهوى، وتربية النفس وتزكيتها وحث الأبناء بإبراز الفهم الصحيح للصوم وتصحيح لمفاهيمنا الخاطئة، فالجلسات الأسرية الحميمة تنشر المودة والألفة داخل المنزل أو خارجه مع الجيران والأقارب والأصدقاء، وكذلك مشاركة الأبناء في الصلوات، وأعمال البرّ كتوزيع الصدقات وإخراج الزكاة ومساعدة الفقراء والمحتاجين، والمشاركة في الأنشطة الرمضانية في مراكز الأحياء أو بما قامت به وزارة التربية والتعليم مؤخراً من جهد في إنشاء أندية رمضانية للشباب.. لتتحقق الفائدة بالممارسة الإيجابية وتتسامق مع ما يحقق روحانية شهر الرحمة وصفائه ومعانيه.