كتبتُ وكتب كثيرون عن الأضرار التي يسببها الاحتكار للاقتصاد، فهو يحد من المنافسة الضرورية لكفاءة الاقتصاد، ويؤدي إلى رفع الأسعار، وخفض مستوى الخدمات. وعلى الرغم من الجهود التي بُذلت لكبح تلك الأضرار، إلا أن الاحتكار ومشتقاته الكثيرة، ظل سمة واضحة في المشهد التجاري.

ومن أكثر ما يثير حفيظة المستهلكين أداء وكالات السيارات، لأن السيارات بالنسبة لمعظم المستهلكين هي أكبر مشترياتهم قيمةَ بعد المنزل.

ولذلك فإن مما يبعث على الرضا وجود بعض المؤشرات، مؤخراً، بأن وزارة التجارة والصناعة قد بدأت في مواجهة كارتلات الوكلاء الحصرية والمستوردين والموزعين الذين يحتكرون استيراد وتوزيع السلع الأساسية والكمالية في المملكة، بدءاً بوكالات السيارات.

وهي مؤشرات مشجعة، على الرغم من أن المواجهة غير متكافئة، نظراً لضخامة وقدم وتغلغل المصالح التي تمثلها تلك المؤسسات من جهة، ومحدودية الجهاز الحكومي المناط به حماية المستهلك وتطبيق النظام في مواجهتها. ولكن النجاح ممكن.

وهذه الوكالات لا تضر بالمستهلك وبالاقتصاد الوطني فقط، بل تُسيء أحياناً إلى الشركة المصنّعة نفسها، برفع الأسعار ورداءة الخدمة وإظهار الشركة التي تمثلها بمظهر سلبي. وكثيراً ما رأينا خلافات على الملأ بين تلك الشركات ووكلائها، وبين الوكلاء، خاصة عندما يتعلق الموضوع بحماية الوكيل جغرافياً من تدخل المنافسين (أو الشركة الأم نفسها) في البيع وتقديم خدمات ما بعد البيع وقطع الغيار خارج إطار الوكالة.

وبعد أن عمّت الشكوى من خدمات وكالات السيارات، يُحمد لوزارة التجارة والصناعة أنها قررت أن تبدأ مواجهة الوكالات علناً وبطريقة منهجية وشاملة وواضحة كل الوضوح، بعد عقود من الصمت والتغاضي والإجراءات غير المعلنة.

ففي 23 يونيو 2013، نشرت الوزارة على موقعها على الإنترنت نتائج استطلاع للآراء قامت به عن وكالات السيارات. وفي خطوة جريئة غير مألوفة في المنطقة، نشرت أسماء الوكالات وتقييم المستهلكين لخدماتها. سأل الاستطلاع عملاء وكلاء السيارات عن مستوى الخدمة بشكل عام، ثم وجه أسئلة محددة عن خدمات البيع وما بعد البيع، وعن الصيانة والأسعار وقطع الغيار. وكانت النتيجة الرئيسة متوقعة تماما، وهي أن هناك استياءً شاملاً وكبيراً من أداء وكالات السيارات عبّر عنه 61% ممن أجاب عن الاستطلاع، في حين عبر 11% عن رضاهم عن خدماتها، وعبر 28% عن بعض الرضا عنها.

وتضمن الاستطلاع تقييماً لأداء نحو (25) وكالة. وبلغ عدد المشاركين في الاستطلاع نحو (22) ألف شخص، منهم (12) ألفاً أجابوا عن الاستطلاع في موقع الوزارة، في حين تم الحصول على إجابة عشرة آلاف في مسح ميداني، وهو عدد كبير في قياس المسوح الميدانية.

وفي مؤشر سيئ ولكنه واقعي، حصلت جميع الوكالات، باستنثاء أربع منها، على نسب تجاوزت 50% من عدم رضا المستهلكين، وتشمل أسماء الوكالات هنا جميع الوكالات المشهورة تقريباً، بنسب متفاوتة، وفي إحدى الحالات بلغت تلك النسبة نحو 82% من عدم الرضا عن أداء الوكالة.

أما الوكالات الأربع التي كان أداؤها استثنائيا، بحيث لم تتجاوز نسبة عدم الرضا عن خدماتها 50%، فإن ثلاثاً منها هي وكالات صغيرة لماركات صغيرة نسبياً.

وكالة واحدة فقط من تلك الأربع الاستنثائيات كانت وكالة لأحدى الشركات الكبرى (فورد). فحسب استطلاع وزارة التجارة، عبر 16% عن رضاهم عن أداء هذه الوكالة، وعبر 39% عن "بعض الرضا" عن أدائها، في حين عبر 45% عن عدم رضاهم عنها. ومع أن هذه النسب متواضعة، إلا أنها أفضل بدرجات من الشركات العشرين الأخرى التي تجاوزت فيها نسبة عدم الرضا 50%.

وتقول الوزارة إن الشكاوى المتعلقة بوكالات السيارات تمثل نحو 23% من إجمالي الشكاوى التي تتلقاها بخصوص السلع الاستهلاكية، وهي نسبة تبين حجم المشكلة وسبب تحرك الوزارة لمواجهتها. وتشمل شكاوى بشأن الإخلال بالعقد، عدم الوفاء بالضمانات، العيوب المصنعية، عدم توفر قطع الغيار، ارتفاع الأسعار، ومستوى خدمات ما بعد البيع وتكلفتها.

ولدى إعلان نتائج الاستطلاع الذي أشرتُ إليه، أعلنت الوزارة أنها ستُطلع الشركات المصنعة عليها، وتطلب منها الوجود في المملكة، لمتابعة أداء وكلائها وتحسين مستوى خدماتهم.

وبعد ذلك بقليل قام وفد عالي المستوى من الوزارة بزيارة مدينة ديترويت الأميركية، عاصمة صناعة السيارات هناك، وناقش خلالها نتائج الاستطلاع مع المسؤولين في الشركات الأميركية الكبرى، وأعلن عن اتصالات مستقبلية مشابهة مع الشركات المصنعة في ألمانيا واليابان وكوريا.

وخلال مناقشة نتائج الاستطلاع مع المسؤولين في الشركات الأميركية الثلاث الكبرى في ديترويت، نوقش مقترح زيادة عدد الوكلاء وأن يكون لها وجود مباشر في المملكة لتلقي الشكاوى وقياس رضا المستهلك.

ومن الضروري، لكي تكون هذه المكاتب فعالة، أن تكون مستقلة عن الوكالات، ومرتبطة مع الشركة الأم، وعلى تواصل مستمر مع المستهلكين والمسؤولين على حد سواء.

وكانت شركة فورد قد أعلنت في نوفمبر2011 أنها تعتزم فتح مكتب لها في المملكة بهدف "تقديم خدمة أفضل للوكيل، عن طريق مساعدته في إجراءات طلب السيارات، وفي التسويق، وخدمات ما بعد البيع." وأكدت الشركة مؤخراً أن المكتب سيبدأ عمله خلال وقت قريب، ولكن ليس من الواضح مدى استقلاليته.

وعلى الرغم من تقدير المواطن للجهود التي تمت حتى الآن، إلا أنه ينتظر نتائج ملموسة، أي تحسين الخدمات وتخفيض الأسعار، وهي نتائج ما زالت بعيدة المنال. فالطريق طويل، والنجاح يتطلب الاستمرار في إعطاء هذا الموضوع أولوية على أعلى المستويات، ووضع آليات دائمة وفعالة للتنفيذ وللمتابعة والتقييم، وتعزيز الأجهزة التنفيذية والإشرافية، بطاقات فوق إمكانياتها الحالية المتواضعة، إدارياً وفنياً.