قال تعالى: (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنهُ من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً). هذا الدين الذي يعاقب من يعتدي على الحيوان والنبات والمياه والهواء، ومن يفسد ويعتدي على المخلوقات التي خلقت معظمها ليتمتع بها الإنسان وفق ضوابط شرعية وقانونية وعرفية، لا يمكن أن يشرع أو يسمح بالإرهاب السياسي أو الديني أو الأمني أو الاقتصادي أو الإعلامي أو الفكري أو غيره من مجالات الإرهاب المتعددة.

هذا يجعلنا نسأل عمن وضع أبناءنا وبناتنا على قوائم الإرهاب المحلية والعربية والإسلامية والدولية؟ بل وصورتنا جميعا في أذهان الناس على أننا إرهابيون وقتلة، وزرع الشك فينا على كل معبر ومنفذ وفي عيون الأبرياء وعقولهم؟ من هذا الذي يحارب بأبنائنا ويستبيح براءتهم وكرامتهم ودماءهم ويقوم بغسل أدمغتهم وتضليلهم والزج بهم في مشاريعه السياسية ومكاسبه الشخصية التي لا علاقة لها بالدين ولا الوطن؟ من هذا الذي يجعلهم أدوات وأسلحة يهدد بهم خصومه ويتكسب بهم لتحقيق مصالحة وامتيازاته وعلاقاته وصلاته؟ من هذا الذي يعتدي على سمعتنا وكرامتنا ويلطخنا بهذه الجرائم وهذه السمعة السيئة؟ بل وأكثر من هذا يزرع في عقول الناس بأننا بشر مارقون على القانون والشريعة، ويقدمنا على أننا شريرون، نكره الحياة والناس - كل الناس - ونحقد عليهم ولا نحب النظام ونكره الاستقرار والنماء والإبداع والابتكار والتمدن والحضارة والثقافة والسعادة والفرح والصحة؟ من هذا الذي استحل دماء الأبرياء ممن لا ذنب لهم إلا أنهم لم يستطيعوا العبور خارج فكر ومصالح وتأثير ذلك المتسلط بكل اسم وصفة ومكانة وقوة؟ من هذا الذي تمكن من أرواح الأبرياء المغرر بهم فحثهم على الموت متوقعين أن مصيرهم إلى الجنة؟ من هذا الذي آثر أبناءنا على نفسه ليدخلوا الجنة قبله؟ من هذا الذي يصر على أن يعاقب نفسه بكل أدوات جهنم من الثروة الكبيرة والسلطة والمال والجاه والنفوذ والتعليم ويصر على أن يدخل النار نيابة عنا وعن المغرر بهم ممن يفجرون أنفسهم بلا وعي ولا إدراك ولا خوف مما يرتكبون أو يواجهون من مكاره؟ من هذا الذي يصدر لنا ولهم صكوك الجنة والنار ويبرر لهم أعمالهم المشينة ليحقق مصالحه بكل ما تعني كلمة مصالح من معنى؟ من هذا الذي يجعل أمة كاملة في خانة الإرهاب والقتل والفساد والعبث؟ من هذا الذي يريد الحكم علينا جميعا بالإعدام؟ من هذا الذي يصادر عقولنا وأفكارنا وبيوتنا وحقوقنا وحياتنا ومستقبلنا وحاضرنا وماضينا؟ من هذا الذي ينسف إسلامنا وديننا ويلغي تاريخنا ويعبث بنا؟ من هذا الذي نصب نفسه وكيلا حصريا عن الله يقتل ويسرق ويستولى ويمنع ويعطي باسم الله تعالى؟ لا يمكن لمجتمع يعتبر دينه موت قطة أو إسقاء كلب يلهث من العطش يدخل الجنة والنار أن يقبل بهذا القاتل الحقيقي الذي يدفع بالأبرياء إلى الموت وهو يتفرج عليهم، ويستغلهم ليحقق مآربه؟

لماذا تجند الدول كل إمكاناتها وتضيع جهودها وأموالها لتحارب وتقاتل المغرر بهم من المخدوعين الذي تحولوا إلى أدوات للقاتل الحقيقي الذي ضلل أصحاب وصناع القرار وخوفهم بحجج كثيرة واغتصب عقول الناس وتسلط على تفكيرهم وجرم من يفكر بغير فكره أو لا يمشي معه في برنامجه السياسي التدميري؟ لماذا هذا الاستسلام لرحمته ورضاه؟ من هذا الذي يرهن مستقبل الناس ومصالحهم وأوطانهم بمستقبله ومصالحه؟ لماذا يغرر بأبنائنا وبناتنا ليعيشوا تحت وصاية المجرم الحقيقي الذي يزرع القنابل والرصاص والسموم والقتل والإرهاب في العقول ويتحكم بتفجيرها من بعد عندما يريد أن ينفذ مشاريعه السياسية أو غيرها. كفاية، أرجوكم لم يعد أبناؤنا وبناتنا يحتملون هذا العبث بأرواحهم وعقولهم ومستقبلهم وحقوقهم ومستقبل كل الأبرياء في العالم الذين لا ذنب لهم إلا حب العيش بكرامة وعزة وتقدير واحترام وعدالة بعيدا عن المزايدات والمتاجرة بحياة الناس وأموالهم وأمنهم وأوطانهم وحقوقهم. نريد البناء لا الهدم والحياة لا القتل والسعادة لا الحزن والفرح لا الكآبة والحب لا الكراهية والإيثار لا الحقد والحسد.

وأخيرا، أقول لكل شاب وشابة يخضع لبرنامج غسل الأدمغة والأدلجة والتسييس والإلغاء والتهميش: قف واسأل نفسك، لماذا لم يبادر من تتخذهم مرجعا وقدوة لك بالموت في سبيل الله؟ لماذا يحافظون على أبنائهم وبناتهم ويرسلونهم ليتعلموا ويعيشوا في بلدان العالم التي يحاربونها بكم؟ ألا ترونهم وهم يتمتعون بكل خيرات الدنيا فتكون حلالا لهم وحراما عليكم؟ لماذا تتركون أباءكم وأمهاتكم وأهلكم وإخوتكم وأحبتكم ومجتمعكم ووطنكم؟ ثم تعادونهم وهم أصدق الناس وأحبهم لكم، وتتبعون من يستخدمكم ويسيركم ويدعي أنكم تستطيعون أن تموتوا من أجله وليس من أجل الله، أو دفاعا عن الوطن أو العرض أو المال أو النفس؟ وهذا لا يعني أن يتنازل الفرد عن دينه وقيمه ووطنه وحقوقه ويتخلى عن واجباته ومسؤولياته. فكروا ثم فكروا ثم قولوا لا ألف مرة، لمن يريد أن يقتلكم وقد اعتبركم من اتباعه الذين لا يحيدون عن رأيه ولا يخرجون على فكره، لأنكم في نظره بلا فكر ولا عقول وأنه قد تمكن منكم ليقتلكم تحت أي شعار وبطريقته الخاصة. وليكن ذلك الشيطان هو نفسه الذي توعد أن يضلنا وهو يتحدى آدم وذريته أمام رب العالمين. قال تعالى: (وإذ قُلنا للملائكة اسجُدُوا لآدم فسجدُوا إلا إبليس قال أءسجُدُ لمن خلقت طيناً * قال أرءيتك هذا الذى كرمت على لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذُريتهُ إلا قليلاً * قال اذهب فمن تبعك منهُم فإن جهنم جزآؤُكُم جزاءً موفُورًا * واستفزز من استطعت منهُم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهُم في الأموال والأولاد وعدهُم وما يعدُهُمُ الشيطانُ إلا غُرُورًا* إن عبادي ليس لك عليهم سُلطانٌ وكفى بربك وكيلاً).