شعرت بخوف شديد بينما كنت ذاهبة إلى ميدان" التحرير" في يوم 30 يونيو، إنها الفرصة الأخيرة للتخلص من هذا الكابوس الجاثم فوق صدورنا، هذا السرطان الذي يحاول أن يتمكن من مفاصل الجسد، فهل يدرك الناس أنها فرصتنا الأخيرة للخلاص.
هل سيتخلى المصريون عن صمتهم وينزلون إلى الميادين، كانت الشوارع خالية تقريباً من المارة وأنا في طريقي إلى "التحرير" كنت أقترب وكأنني أقترب من الأمل وفجأة سمعت أصواتاً صاخبة، ورأيت الأعلام في كل مكان وكأن الأرض قد زُرعت بشراً.
نزلت من السيارة، ووقفت في جمع لم أعرفه وصرت أردد "تحيا مصر.. تحيا مصر"، وجدت نفسي بين بركان هادر ابتلعني وصرت جزءاً منه، فجأة أصبحت هذه الملايين من البشر جسداً واحداً ووقفت أتذكر الثورة الأولى في 25 يناير، كنا نهتف من أجل الكرامة والحرية، من أجل تحسين أوضاع الفقراء، من أجل التخلص من الفساد والظلم، أما هذه المرة فنزلنا جميعاً من أجل إنقاذ مصر، من أجل إنقاذ وطن من جماعة تريد به الشر وتدفعه نحو الظلمات.
كنا نسمع في عهدهم عن بيع الآثار.. عن تأجير قناة السويس لمدة 80 عاماً.. عن مشروع مريب تحت مسمى "الصكوك الإسلامية".. سمعنا عن مشاريع لتقسيم البلاد لصالح الصهاينة، سمعنا حتى عن إهداء "حلايب وشلاتين" إلى إحدى الدول، وكأن مصر "عزبة" ليس لها صاحب.
كنا نرى هذه "الجماعة" تحاول تفكيك عناصر الدولة المصرية، بمعاداتها للقضاء ومحاولاتها السيطرة عليه لأغراضها، محاولة ضرب الشرطة وإخضاعها، وكذلك محاولتها مهاجمة الإعلام الحر الشريف الذي يكشف المؤامرات، حاولوا اختلاق الشائعات عن الجيش والزعم بأن هناك انشقاقا على نفسه، كانت تلك الجماعة البائسة تحاول القضاء على كل مؤسسات الدولة، حيث كان يحكمنا أشخاص لم ننتخبهم والشخص المنتخب لا يحكم، ولكن الشعب المصري العظيم وقف بالمرصاد لهذه الجماعة، وبينما كان يتم عقد الصفقات المشبوهة في الخفاء، كانت معاناة رجل الشارع البسيط في طوابير الخبز والوقود، أما السوق "السوداء" فقد كانت تُدار بواسطة رجال السلطة الأوفياء للنظام الحاكم.
كل هذا ونحن في ذهول وكأننا في كابوس عشنا فيه أحلك أيامنا في ظل حكم استمر سنة كاملة، من الحكم الظالم المستبد الجاهل والفاشل، ومرت هذه السنة وكأنها دهر من الزمان، ولدت لدينا الخوف والإحباط، ولكن هب الشعب المصري من هذه الأفكار التي حاولوا غمسنا فيها، ونزل الملايين إلى الشوارع.
وبينما دارت كل هذه الأفكار في ذهني وكنت في الميدان، صحوت فجأة من أفكاري على صوت طائرة عسكرية تحلق فوق ميدان "التحرير"، وجدت نفسي ومن حولي وبدون أن أشعر ألوح وأرفع العلم تحية للطائرة وقائدها وللجيش العظيم، وكأنني طفلة في يوم عيد، تلهو بلعبتها وفستانها الجديد، هذا الشعور بالبهجة والسعادة الغامرة الذي انتابني كشف أنني لم أشعر به منذ سنوات طويلة، فلم أعد أصدق وكل المصريين أننا تخلصنا من هذا "الغول" المخيف، ومن العجيب أن كل هذا حدث في أيام قليلة.
يا الله إنها حقاً معجزة، إنها مصر المحروسة بجيشها العظيم الذي لم يخذلنا أبداً عبر التاريخ، فكان هو السند لنا في كل الأوقات؛ ففي 23 يوليو هزم الطغيان، وفي 25 يناير ثم 30 يونيو انحاز للشعب وأوفى ولم يتخل عنا، فتحية إجلال لقواتنا المسلحة ورجالها البواسل، وتحية للشعب المصري العظيم الذي ما زال يضرب المثل في العبقرية كل لحظة، وتحية للشباب المصري الذي نجح في استعادة بلاده وتحية للمرأة المصرية القوية العفيفة التي كانت كتفاً بكتف وسط الرجال في الميدان، وتحية للأطفال الذين هم أجيال مصر القادمة.
ولم ولن ننسى الأشقاء العرب الذين كانوا دائماً عوناً لنا وسنداً قوياً لظهورنا، فهم أول من بارك وأول من شارك المصريين فرحتهم، وبالفعل اكتملت فرحة المصريين بالثورة وبعودة أشقائنا العرب إلينا، فمصر عادت لهم وهم عادوا إلينا وفي أحضاننا، وتحيا مصر.