ذات صباح وأنا في طريقي إلى العمل، لفت انتباهي حجم الأناقة التي يتحلى بها كل من وقفوا معي عند الإشارة المرورية الحمراء، وأنا مثلهم طبعا. كان ذلك اليوم يوم سبت ومثلكم يعرف كيف تزدحم محلات الحلاقة لدينا مساء كل جمعة استعدادا ليوم السبت، المهم أنني وبينما كنت واقفا أتأمل ذلك المشهد، خطر ببالي العديد من الأسئلة والافتراضات حول هذا الأمر، حيث توصلت بدهيا إلى أن حجم الأناقة مرتبط بالضرورة بمكان وطبيعة العمل الذي سيقوم به هؤلاء الموظفون، وبالتالي فإن هناك فكرة تبدو مستحيلة منطقيا تتعلق بعمل أحد من هؤلاء في مصنع أو ورشة أو معمل، حيث لم أشاهد أحدا ـ على سبيل المثال ـ يرتدي خوذة أو يحمل معه أدوات يمكن استخدامها في مهنة صناعية ما، لم أشاهد سوى أقلاما تلمع في الجيوب كلما لامستها شمس الصباح الباردة!
طبعا لست هنا بصدد الحديث عن أهمية التكنولوجيا أو الصناعة وما تلعبه من دور مهم في تشكيل اللاوعي الجماعي من خلال ما تفرضه على المؤسسات الاجتماعية وما يحدثه ذلك من تغيير في النظرة إلى العالم، ولا عن طريقة التفكير العقلاني والمنطقي المتجرد من العاطفة وهو التفكير الذي يولد نتيجة التعامل مع الآلة، كما قال بذلك الكثير من علماء الاجتماع، ولا عن ضرورة سرعة التوجه بمخرجاتنا التعليمية إلى ما يقينا من غموض المستقبل ويجعلنا في مصاف الدول المتقدمة؛ لا لشيء ولكن لأن الحديث الجاد في كل ذلك أضحى في واقع الأمر أهم من أن يكتب في مقال عابر، أو أن يكون درسا من دروس الإنشاء التي ندرسها في مدارسنا وذلك بعد أن تحررنا قليلا من أسبوع المرور وأسبوع الشجرة وغيرها من دروس التعبير التي ظلت وما زالت حبرا على ورق!
أخيرا وعودا على بدء، فقد كان من المضحك المبكي أنني وبعد كل تلك التأملات والأسئلة التي سرحت بي طول الطريق الذي أسلكه لمقر عملي، وجدت نفسي مكلفا بالرد على خطاب رسمي كتب بخط اليد وبُني على عدد من الخطابات السابقة التي أشير لكل منها برقم وتاريخ.. حينها أيقنت أن كل أسئلتي وتأملاتي، كانت محض حلم.