عندما تنظر للإحصاءات عن النمو "الخرافي" لاستخدام التكنولوجيا في أوساط الأطفال والمراهقين، وعندما نلاحظ بأنفسنا التعلق غير العادي للأطفال بأجهزة الآيباد واللابتوب والتي صارت من الأساسيات في كل منزل، ندرك أن "التعليم التقليدي" بالشكل الذي يقدم حاليا في مدارسنا في مأزق حقيقي، لا تحسد عليه المؤسسات التعليمية.

رغم نداءات لا حد لها من الكتاب والمتخصصين تنادي التعليم بأن يطور نفسه في مواجهة التحديات الجديدة ومتطلبات السوق المهنية، إلا أنه حتى الآن استطاعت وزارة التربية والتعليم أن تحافظ بصمود على كلاسيكياتها مع تغييرات محدودة، لا يمكن لأحد أن يدعي أنها تلبي هذه الاحتياجات، أو أنها تمثل استجابة حقيقية لما يحصل في العالم من حولنا بعد الثورة الرقمية.

ما زال هناك جدل ووعود حول التحول من الكتاب المدرسي الورقي إلى المادة الإلكترونية، وبالرغم من أن هذا التحول يبدو بديهيا من حيث التكلفة وسهولة تعامل الطالب وسهولة التنفيذ ووجود نماذج عالمية كثيرة، إلا أنه ما زال مشروعا يسير ببطء من عام إلى عام دون إنجاز فعلي على الأرض حتى الآن.

ولكن هذا الطلب صار قديما، فالواقع الجديد أن الكتاب المدرسي بصيغته الإلكترونية فقد أيضا جاذبيته، وصار التحول إليه خطوة من الماضي، لأن الدراسات والأرقام تؤكد أن عادات النشء صارت تتحول بسرعة للانجذاب للتطبيقات والفيديو والمؤثرات الصوتية والبرامج التفاعلية السريعة والألعاب. لهذا كله، هناك جهود ضخمة في كافة الدولة المتقدمة للتحول بالتعليم من شكله التقليدي إلى شكله المتقدم، الشكل الذي ينافس المادة الترفيهية ويحافظ على اندماج الطفل والمراهق في العملية التعليمية.

ما الحل لكيان تعليمي تقليدي في وجه هذا التغير العالمي السريع الذي إذا لم تتم مواكبته فإن هذا قد يعني بكل سهولة فشل العملية التعليمية بالنسبة للأجيال القادمة، وما يتبع ذلك من آثار على الوطن بشكل عام؟

الحل الوحيد في رأيي حتى يمكن إحداث تغير سريع هو انفتاح المؤسسة التعليمية على المجتمع ومبادراته وإيجاد آليات تسمح للشباب بالتفاعل مع هذه الاحتياجات والمساهمة في علاجها.

هذا ليس مجرد كلام إنشائي، لأن هذا كان بالضبط ما فعلته المؤسسات التعليمية حول العالم، حيث حولت نفسها إلى أرضية تستطيع من خلالها المؤسسات الخيرية والربحية على حد سواء تقديم مبادراتها للطلاب، بالشكل الذي يساهم بشكل جماعي في تطوير العملية التعليمية، وبتكلفة منخفضة.

على سبيل المثال، في بريطانيا، هناك عدد كبير من ألعاب الفيديو التي تم تطويرها على شاشة الكمبيوتر والموبايل بشكل خيري لمساعدة الأطفال في التعليم. أحد الألعاب يساعد الأطفال على تعلم عالم الحيوانات من خلال خلق حديقة حيوان خيالية خاصة بهم. دعم اللعبة جاء من أحد شركات الاتصالات التي توجد لديها ميزانية للمبادرات الاجتماعية.

بالمقابل، تم تأسيس دورات تدريبية للمعلمين برعاية شركة أخرى، وركزت هذه الدورات على إعداد المعلمين للواقع الرقمي الجديد. هذه مجرد أمثلة فقط لعالم ضخم يتأسس من خلال التحالف بين العمل الاجتماعي غير الربحي وبين قطاعات التعليم حول العالم.

في الأسبوع قبل الماضي كتبت مقالا عن تطوير العمل الخيري، وقارنت فيه بين واقع العمل الخيري في بلادنا وبين العمل الخيري في الغرب. أصداء المقال الكبيرة هي التي شجعتني لأكتب هذا المقال، لأن هناك وعيا حقيقيا واضحا في المجتمع بأن الشركات والقطاع الخاص ورجال الأعمال ينبغي أن يساهموا بفعالية أكبر بكثير في تطوير المجتمع بدلا من الإنفاق الخيري غير المدروس.

تطوير التعليم هو مثال فعلي لهذه المساهمة الممكنة، فهناك مئات الموهوبين في المجتمع في صناعة التطبيقات وإنتاج الفيديو، وهناك كثير من الشباب الذين يملكون الحماس لتقديم ما يلزم لمجتمعاتهم، وليس هناك من مجال أفضل للدعم من قبل الشركات من مجال التعليم. هذه في رأيي هي الفرصة المثالية التي تعالج مشكلة كبرى، من خلال طاقات المبدعين، وبدعم مدروس من القطاع الخاص.

كل هذا يمكن أن يتحقق فقط لو استطاعت وزارة التربية والتعليم أن تعيد هيكلة آلياتها لتصبح جاهزة لمثل هذا التحول ولمثل هذه المبادرات وتفعيلها على الأرض.

عدم تحقيق ذلك، قد يعني أن تنتصر كل الأشياء التافهة التي يستهلكها أطفالنا على الآيباد..