قبل أكثر من ثلاثة عقود، أبصرت أنديتنا الأدبية النور، وكانت الغاية من إنشائها دفع عجلة التنوير والثقافة في بلادنا بما يتناسب ورؤى العصر، وينسجم مع الثوابت المختلفة، وكانت الرئاسة العامة لرعاية الشباب هي المرجع الإداري والتنظيمي لهذه الأندية المختلفة، كون الأمير الراحل فيصل بن فهد، هو صاحب المشروع فكرة ورؤية ورعاية، ثم ما لبثت هذه الأندية أن انتقلت تبعيتها إلى وزارة الثقافة والإعلام، وبعد هذه المدة الزمنية من الإنشاء والحضور يحق لنا أن نعيد قراءة منتج هذه المؤسسات الثقافية ـ كما أريد لها أن تكون ـ ومناشطها المختلفه، وهنا نسأل سؤالا واضحا وصريحا: هل أدت هذه الأندية الأدبية دورها نحو المجتمع والثقافة؟.
لعل الإجابة تقتضي تسليط الضوء على حراك هذه الأندية، فجلها يحصر الثقافة في المجال الأدبي قصة وشعرا ونثرا ورواية، ولعل صفات وسمات أغلب أعضاء مجالس هذه الأندية يغلب عليها الطابع الأدبي المحض، فينتصرون في مشاريعهم ورؤاهم لأبناء جلدتهم وأهل "كارهم" من الأدباء وأشباههم، الذين احترفوا الأدب صناعة وموهبة وحضورا وربما تكسبا في بعض الأحيان.
ولوعدنا إلى الثقافة كمصطلح وممارسة وهوية، نجدها بحرا واسعا من المفاهيم والمناشط والسلوكيات، بعضها يوثق في مشاريع فكرية كتابية أو فنية، وبعضها يظل صورا حياتية معاشة تعكس وجها ثقافيا للمجتمعات وإنسانها، تصطبغ به وتكون سمة من سمات ثقافته المعاشة والمرصودة، إلا أن الأندية الأدبية ما زالت غير قادرة على احتواء صور الثقافة المتعددة، وما زال نهجها يجسد نمطا واحد ونسقا رتيبا من التكرار لمنتج ثقافي واحد انتصر للشعر والقصة على حساب الثقافة بمفاهيمها الأعم والأشمل.
إن أعضاء هذه الأندية يعيشون في عزلة ثقافية وحياتية، فالعزلة الأولى كانت نتاجا لاختطافهم الثقافة مفهوما وممارسة، وقولبتها في مفاهيم تعزز حضورهم وتراعي مؤهلاتهم العلمية ونتاجهم الإبداعي، أما العزلة الحياتية فقد كانت نتاجا لعملية الاختطاف تلك، ليصبح العيش في العاجية بأبراجها الباسقة سلوكا يبقيهم معزولين عن الحياة وعن إنسانها وثقافاته المتعددة، وهذه إقصائية نخبوية يتعاطاها منسوبو تلك الأندية ضد المجتمع وثقافته، بل قد تتطور تلك الإقصائية لتمارسها تلك النخب المعزولة مع بعضها البعض، وما الانتخابات وما يصاحبها من جدل وتوتر وخلاف خير دليل على ذلك.
الثقافة في جانبها المضيء إطار شامل يجمع ولا يفرق، وهذا يقتضي التنوع في هذه الأندية مفهوما وممارسة ومشاركة، أما البقاء على منهج واحد يعزز جانبا ثقافيا واحدا على حساب المفهوم الأعم والأكمل، ففيه إقصاء للثقافة واختطاف لصورها المتعددة التي تغيبها مفاهيم التترس خلف فهم واحد يؤمن به قلة، وهم كذلك في العدد وفي مساحة التأثير.