نشرت هذه الصحيفة الأسبوع الماضي تصريحاً لوكيل وزارة العمل قال فيه: إن مفاوضات عودة استقدام العمالة المنزلية الإندونيسية إلى المملكة دخلت منعطفها الأخير، وإن الجانبين السعودي والإندونيسي توصلا إلى صيغة نهائية مرضية للطرفين لعودة استقدام العمالة المنزلية، وإن وزارة العمل تنتظر الجانب الإندونيسي لتحديد موعد التوقيع عليها.

والحقيقة أنني لا أظن أن هناك موضوعاً قد شغل المواطن في الشهور الأخيرة أكثر من موضوع العمالة المنزلية وندرة الحصول عليها وإغلاق الخيارات أمامه، ثم الترويع الذي حدث لبعض الأسر السعودية من قبل بعض العاملات من بلد واحد، لجأ المواطن للاستقدام منه بعد أن تعذر من غيره، ولم يدر بخلد أحد من المواطنين أن يصل الأمر إلى ما وصل إليه، إذ أصبحت العمالة المنزلية عملة نادرة، بل أصبحت سوقاً سوداء وتجارة رابحة، والمتضرر الوحيد هو المواطن الذي سلبت أمواله وأعطي من المواعيد العرقوبية من قبل شركات ومكاتب الاستقدام حتى حفيت أقدامه وبح صوته ونفضت جيوبه وهو ينتظر عاملة أو سائقاً مع انحسار الخيارات في بلد واحد أو اثنين، بعد أن سدت وزارة العمل السبل في وجهه وتركته تحت رحمة بعض مكاتب الاستقدام التي لم تأل جهداً ولم تدخر وسعاً في ابتزازه، نعم وزارة العمل تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية فيما آل إليه وضع العمالة المنزلية، إذ إن استمرار إغلاق الاستقدام من دول شرق آسيا حتى اليوم ـ وهي المصدر الأهم للعمالة المرغوبة للسعوديين ـ تتحمل الوزارة الجزء الأكبر منه ويتحمل المواطن بالتأكيد جزءاً من المسؤولية؛ فالوزارة - وإن كان هدفها خدمة المواطن - لكن المبالغات التي حدثت والشروط القاسية التي فرضتها بعض الدول على استقدام عمالتها، جعل الوزارة تجاري أحياناً تلك الدول في صيغة العقود الجديدة التي راعت في بعض بنودها جانب العمالة أكثر من مراعاتها للمواطن، ولو تركت الأمر للقطاع الخاص في المملكة وأقصد الغرف التجارية لتتولى التفاوض مع نظيراتها في تلك البلدان فلربما كانت النتائج أفضل، وإلا ما الذي تعنيه إطالة أمد التفاوض شهوراً بل أكثر، والمواطن هو الذي يدفع الثمن غالياً؛ فقد هرع الناس لمكاتب الاستقدام وللشركات الجديدة علها تحل جزءاً من المشكلة لكن "المستجير بعمرو عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار"، فالخيارات محدودة وإن وجدت فبأسعار جنونية، إذ وصل نقل الكفالة لبعض الجنسيات المرغوبة إلى أكثر من خمسة وعشرين ألف ريال، أما رسوم الاستقدام فتصل إلى خمسة عشر ألف ريال، ولك أن تتخيل أن أحد الخيارات الموجودة لدى إحدى شركات الاستقدام أن تدفع مرتبات العاملة دفعة واحدة ولمدة عامين!! على أساس أن تتحمل هي تبعات كل شؤون العاملة، فمن المواطن الذي سيدفع مبلغاً يصل إلى ما يقارب أربعين ألف ريال ومن يضمن للمواطن حقوقه في حالة عدم صلاحية العاملة أو في حالة هروبها؟ إضافة للشروط الأخرى الأكثر صعوبة، ألا يكفي المواطن أن استقدام العمالة المنزلية صار يستنزف جزءاً كبيراً من دخله مع إضاعة حقوقه.

وعلى ذكر الهروب، فإن من العجيب أن المواطن عند إبلاغه عن هروب مكفوله عليه التوقيع على إقرارات وكأنه هو المذنب، ناهيك عن ضياع حقوقه، وبهذه النقطة بالذات استغربت كثيراً تصريحاً لمعالي نائب وزير العمل قاله في ذروة حملة تصحيح أوضاع العمالة المخالفة، وهي الحملة التي وجدت ارتياحاً كبيراً من المواطنين لأنها ستقطع الطريق على السماسرة الذين هم من يقف خلف هروب العاملات والسائقين أقول يقول معاليه: يمكن للعامل الذي قدم بحقه بلاغ هروب، أو المنتهية رخصة إقامته تصحيح وضعه إما بالعودة إلى صاحب العمل الحالي، أو نقل خدماته إلى صاحب عمل جديد دون الحاجة - لاحظوا - لموافقة صاحب العمل الأول! والأكثر غرابة أنني لم أطلع على أي تعديل أو تصحيح لهذا التصريح المستفز للمواطن! الذي ضاعت أمواله وهربت عاملته ولا يجد جهة تعوضه ثم تأتي الوزارة لتقول يهمنا تصحيح الوضع مهما كان الضرر كبيراً على المواطن! ألم أقل إن الوزارة تتحمل كثيراً من المسؤولية عما حل بالمواطن من مآس حيال العمالة المنزلية.. ولم أفهم تصريحات نشرت هذا الأسبوع لمصدر مطلع في وزارة العمل يقول فيها إنه لا نقل للكفالة قبل إلغاء بلاغات الهروب، إذ لم يشر فيها إلى حق الكفيل الأصلي المهدر! وبعد فلست أتحامل على الوزارة أو أغمطها حقها، لكنني أتحدث من واقع معاناة الكثير من المواطنيين وأنا واحد منهم ممن اكتوينا بابتزاز المبتزين واستغلال المستغلين لحاجات الناس وظروفهم، وليس شهر رمضان المبارك عنا ببعيد والذي كانت حاجة المواطن فيه للعاملات أكبر، فكان أن وجد السماسرة فرصتهم الذهبية ليحددوا السعر إلى من يريدون للعاملة على وجه الخصوص، وسمعت عن أسر استأجرت عاملات وخلال شهر رمضان فقط بمبالغ ضخمة لا تكاد تصدق!

عموماً، لعل المواطن يجد مخرجاً عما قريب إن شاء الله وتطوى صفحة المعاناة من العمالة المنزلية.