مرة أخرى يعود موضوع ترائي هلال العيد كأحد أبرز الأحداث على الساحة بسبب إعلان المحكمة العليا للعموم الداعي لترائي الهلال في الثامن والعشرين من شهر رمضان المبارك لهذا العام 1434، إذ أثار ذلك الإعلان موجة من ردات الفعل والتعليقات السلبية، وهو ما أثار في المقابل موجة مقابلة من الردود والتبريرات لذلك الإعلان.

حين أراجع هذه التراشقات الإعلامية وأستمع لأحاديث المجالس والنقاشات الدائرة حول هذا الموضوع، فإنني أصل لقناعة تامة أن مشكلة الرؤية ليست مشكلة آلية الترائي ما بين رؤية بالعين المجردة أو رؤية بالمكبرات والمناظير، وهي أيضا ليست بالضرورة مشكلة مذهبية أو مشكلة تباين في الآراء الفقهية. إنها في نظري مشكلة فراغ نظامي وتنازع الاختصاص في الصلاحية والمسؤولية، بين القضاء من جهة وبين جهات أخرى ذات صلة وعلاقة بالموضوع من الناحية الفنية والتقنية البحتة.

صدرت لائحة تحري رؤية هلال أوائل الشهور القمرية الصادرة بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 143 وتاريخ 22/8/1418هـ، وأسندت هذه اللائحة صلاحية الإشراف على تنفيذها لوزارة الداخلية، كما أنها وضعت تشكيلا للجان تحري الرؤية بموجب المادة الرابعة من ثلاثة أشخاص هم: مندوب من قبل الإمارة بحيث يكون رئيساً للجنة، وأحد طلبة العلم من غير القضاة ترشحه المحكمة، ومندوب من قبل مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وقد خولت ذات المادة هذه اللجنة أن تستعين بمن تراه من المعروفين بحدة البصر.

كما أقرت هذه اللائحة في المادة السابعة ما ورد في الفقرتين الخامسة والسادسة من قرار مجلس هيئة كبار العلماء ذي الرقم 108 وتاريخ 2/11/1403هـ المقتضي أن تؤمن مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية - عند الحاجة - مراصد متنقلة ومناظير مكبرة في الأماكن التي لا تتوفر فيها مراصد ثابتة.

ثم نقضت اللائحة ذاتها بموجب المادة التاسعة منها والتي تنص على أن تقوم الإمارة بإيصال شاهد الرؤية - من اللجنة أو من غيرها - إلى أقرب بلد فيها قاض لإثبات الشهادة، حيث عممت دائرة الاختصاص بالرؤية بعد أن اختصت بها اللجنة في بادئ الأمر، ومن هنا في نظري تأتي بدايات هذا الفراغ النظامي الذي أتحدث عنه، فعندما نراجع إعلان المحكمة العليا الخاص بالترائي نجده صادرا لعموم المسلمين في جميع أنحاء المملكة، ثم نجده ينص على "وترجو المحكمة العليا ممن يراه بالعين المجردة أو بواسطة المناظير إبلاغ أقرب محكمة إليه، وتسجيل شهادته لديها، أو الاتصال بأقرب مركز لمساعدته في الوصول إلى أقرب محكمة. كما تأمل المحكمة ممن آتاه الله القدرة على الترائي الاهتمام بالأمر لما فيه من التعاون على البر والتقوى، واحتساب الأجر والمثوبة بالمشاركة فيه، والانضمام إلى اللجان المشكلة في المناطق لهذا الغرض"، وبالتالي فإن هذا الإعلان قد فرق بين أمرين وهما: 1/ الرؤية المستقلة للأفراد، و2/ الانضمام للجان المشكلة في المناطق لغرض الترائي، مع إغفال إعلان الإشارة للائحة تحري رؤية هلال أوائل الشهور القمرية.

هذه الدعوة بهذه الصيغة تكرس مفهوم العمل الفردي والعشوائي وعدم تفعيل الأنظمة ذات العلاقة بالموضوع، وهو ما يكون في نظري نواة هذه البلبلة التي نراها في كل عام، وهذا التباين في الآراء بين الفلكيين المتخصصين وبين المتطوعين للرؤية وآلية تسجيل شهاداتهم.

في نظري أن معالجة هذا الفراغ النظامي في موضوع الرؤية سيقلص بشكل كبير أو ربما سينهي هذه الخلافات وهو ما أقترح معه أن يصدر نظام خاص بهذا الموضوع ليحل محل اللائحة الحالية، يتم من خلاله تعيين جهة رسمية للرؤية مثل مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، ولا بد أن يتضمن النظام الفقرات الست التي تبنتها هيئة كبار العلماء قبل 31 عاما، والتي أوصت ببناء المراصد لتحري الرؤية وقبول الرؤية بالمناظير، وأقترح أن يتم بموجب هذا النظام المقترح أن تحصر صلاحية الرؤية في هذه الجهة بحيث تختص بالرؤية، ولا يحق للأفراد القيام بهذا الشأن إلا من خلالها، وألاّ يتم إبلاغ المحكمة المختصة إلا من خلال هذه الجهة المختصة، لأن ترك الرؤية وإبلاغ المحكمة المختصة، للعموم هو نوع من الفوضى كمن يترك القصاص للعموم ولايخصص جهة أو مرجعا له، ويسبب هذه البلبلة الحاصلة لدينا على المستوى المحلي، خصوصا وأن المملكة بحكم مكانتها الدينية هي قبلة العالم كله فيما يتعلق بشؤون الصيام والحج، ولها من الاعتبار والأهمية ما ليس لغيرها.

ولتمام الصورة وتكامل الدور، فإنني أقترح على المستوى الإقليمي والدولي أن توضع معاهدة دولية لإقرار ما يتعلق بوحدة وتعدد المطالع والمدى الإقليمي لهما لتقليص الخلاف بين الدول، مما يجمع كلمة المسلمين ويوحد كلمتهم على الأقل فيما يتعلق ببعض أهم عباداتها.