هل يمكن لإنسان كبير في السن وصل إلى درجة (معالي) أن يظل من الرابعة والنصف صباحاً حتى الثانية والنصف صباحاً في اليوم التالي أي اثنتين وعشرين ساعة في أنشطة دعوية متتابعة مرهقة للبدن والعقل، وبعد ذلك لا ينام إلا ساعتين فقط ليواصل بعد ذلك البرنامج نفسه ثم يواصله في اليوم الثالث والرابع والخامس والسادس والسابع والعاشر... وربما يستمر على هذا... أقول هل يمكن أن يحدث هذا ويظل هذا (المعالي) الكبير في السن نشيطاً في أوج لياقته وحيويته وصفاء ذهنه وقدرته على تأدية تلك المهام الشاقة طيلة اثنتين وعشرين ساعة في اليوم لا ينام بعدها إلا فترة ساعتين... أطرح هذا السؤال على الأطباء البشريين وأطباء اللياقة وليس على الأخ الزميل الفاضل الدكتور عبدالعزيز قاسم الذي رسم لنا تلك الصورة (البانورامية) المدهشة يوم الاثنين الماضي في مقاله في "الوطن" لمعالي الشيخ الذي لم يسمه ولكنه أعطانا من المعلومات ما يجعلنا نفهم أنه من هيئة كبار العلماء ومن المنتدبين إلى الطائف وأن لديه مسكنين في الصيفية واحد في جدة والآخر في الطائف، وأنه منشغل كل وقته بالنشاط الدعوي حتى في الفترة الصباحية المفترض أن تكون للنشاط الأساسي الخاص بطبيعة عمله الرسمي، فالأخ عبدالعزيز مقتنع تماماً كما يبدو من مقاله بما قاله وبأن هذه مزية لا تتوفر إلا لمعالي الشيخ وزملائه أعضاء هيئة كبار العلماء الذين ذكر بعض أسمائهم ولكل داعية محتسب، أما غيرهم ممن لا يمارسون الدعوة بنية خالصة واحتساب بمن فيهم الأخ عبدالعزيز نفسه كما ذكر في مقاله فهيهات أن يستطيعوا هذا، ولذلك فإن الأخ عبدالعزيز بدا كالملدوغ عندما وجد في تلفونه اتصالاً من الشيخ في اليوم التالي ليرافقه في مشواره اليومي وهرب إلى مكتبه لأنه لا طاقة له على ذلك... لا أطرح السؤال على الأخ عبدالعزيز فهو مقتنع فيما يبدو بهذه الخاصية الفريدة لأعضاء هيئة كبار العلماء (الكبار في السن وفي المقام) ومن حقه أن يقتنع بأي شيء، لكن أطرح السؤال على الأطباء فهل يمكن أن يحدث هذا لا أقول طيلة أيام (الصيفية) في الطائف، وإنما فقط لمدة ثلاثة أيام دون أن يفقد الإنسان تركيزه وحيويته ولمدة خمسة أيام دون أن يسقط مريضاً...؟ أما ما سأطرحه على زميلي العزيز الأخ عبدالعزيز فهو ليس سؤالاً بل احتجاج عليه وتخطئة له، فقد استشهد بذلك المشهد المثير ليومية معالي الشيخ الذي رسمه لنا في مقاله لدحض (فرية) (الكثير) من (الكتبة) الذين اتهموا الدعاة باشتراط أجور لقاء دروسهم وأنشطتهم الدعوية، وكان المفروض أن يعتبر تلك الصورة التي أوردها دليلا على ما يصنعه الاحتساب من معجزات، أما مسألة أخذ الأجر عن الجهد فمن حق كل صاحب جهد – في رأيي – أن يأخذ أجراً مادياً على جهده، خاصة إذا كان هذا الجهد هو وسيلة توفير معيشته هو وعائلته وهذا ما يفعله أصحاب الفضيلة بأخذهم أجورهم من المال العام، وما يفعله المسؤولون في إدارة الدعوة فلا فرق في رأيي بين أن يكون الأجر من مؤسسة حكومية أو غير حكومية، فإن استغنى وتنازل عن الأجر المادي في دنياه طمعاً في مزيد من الأجر في آخرته، أو حتى طمعاً في أجر الثناء عليه من الناس فهذا أمر يعود له، وكل حر في اختيار طبيعة الأجر الذي يريده... وما يثير الملاحظة هو فقط الجمع بين أجرين عن جهد واحد أو المغالاة في تحديد الأجور.

أما إذا كان الأخ عبدالعزيز مازال مقتنعاً بأنه ليس من المناسب أن يأخذ عالم الدين أجراً مادياً على تلك الأنشطة التي عرضها لنا في مقاله والتي استغرقت وقت معالي الشيخ من صباحه إلى مطلع صباح اليوم التالي فكان المفروض استكمالاً لمصداقية الرأي والعرض أنه أوضح في مقاله كم يستلم معالي الشيخ من المال العام (الراتب وأجور الانتداب والمزايا المالية الأخرى) وما هي الأعمال التي قام بها معالي الشيخ في ذلك اليوم (حسب عرض الأخ عبدالعزيز) التي يعتبرها مقابلاً لما يستلمه من المال العام (محاضرات في المساجد، وندوات على الإنترنت، وتلبية لدعوة من أحد زملائه، وعشاء أقامه لبعض الأهالي وإجابة على الاستفسارات) وما هي الأعمال الأخرى التي ليست كذلك، وهذا لا يعني أني أنتقد أخذ الرواتب، ولكن ذكرت ذلك لأبين أن الجميع يأخذون أجورهم بأساليب مختلفة. ثم كان المفروض استكمالاً للصورة ولمزيد من الإيضاح أن يذكر لنا الأخ العزيز الأمور التي تستدعي انتداب أعضاء هيئة كبار العلماء ومرافقيهم، والعاملين في الأجهزة الدينية الأخرى للطائف بكل ما ترتبه من أجور مالية على المال العام لينعموا ببراد الطائف طالما أن لديهم كل هذه اللياقة الصحية والقدرة على مواصلة العمل والاكتفاء بنوم ساعتين.

يا أخ عبدالعزيز إني أرى أنه ليس هناك أي حرج على المتخصصين في الأنشطة الدينية ممن لا يستلمون رواتب من المال العام أن يأخذوا أجوراً على أنشطتهم فهذا حق لهم والأجر هو وسيلة توفير المعيشة الكريمة لهم ولأسرهم ليستطيعوا الاستمرار في نشاطهم، أما من يأخذون أجورهم من المال العام مثل أعضاء هيئة كبار العلماء ومسؤولي الإفتاء ووزارة الشؤون الإسلامية فمن حسن حظهم أن وسائل المعيشة الكريمة موفرة لهم ليستغنوا بها عن الأجر المادي بالنسبة لأنشطتهم خارج الأوقات الرسمية لمهامهم لعلهم يحصلون بهذا الاستغناء على مزيد من الأجر في الآخرة... والحالة حسب رأيي لا تحتاج منه إلى كل هذا الدفاع.

الأخ عبدالعزيز سأل معالي الشيخ بعد انتهاء برنامجه اليومي الشاق في الثانية صباحاً متى ينام فلم يرد الشيخ بالقول إنه سينام بعد نصف ساعة.. بل قال: ((هكذا.. يوميتي غالب الأسبوعين الماضيين.. أنام في الثانية والنصف صباحاً وأستيقظ في الرابعة والنصف، وأمضي يومي بما رأيته حتى اليوم التالي)) فلماذا يا أخ عبدالعزيز لم يكتف الشيخ بالقول إنه سينام بعد نصف ساعة ليكون الجواب على قدر السؤال..؟ أليس لحاجته لمن يقوي روحه المعنوية.... وأليس ذلك نوعاً من أنواع الأجر... يا أخ عبدالعزيز لا تلم أحداً إذا طلب أجراً على جهده فالأجر حق لباذل الجهد... ولا تمتدح أحداً لعدم أخذه الأجر.. فلا أحد لا يريد أجراً.. المهم ألا يكرر الإنسان أخذ الأجر على العمل الواحد مرتين، وهذا يحدث مع الأسف لدينا ولا ينبغي – بحسب رأيي – أن يكون هذا محل بحث وتساؤل ولكن ما ينبغي أن يكون محل البحث والتساؤل هو بقاء الإنسان أياما على هذا المنوال الذي أوضحته ويبقى على ذلك التألق والنشاط والتركيز الذي أكدته، فهذا لافت ومدهش خاصة أنه ورد من شخص موثوق وصاحب مصداقية، فهل الاحتساب يصنع المعجزات؟