في الواقع، إن كل الظروف والأحداث في مصر تشير إلى أنه من المستحيل حتى مجرد التفكير في عودة الرئيس المخلوع محمد مرسي، بل إلى استحالة أي إجراء يمثل عودة إلى الوراء، أو تراجعا عما حدث في الثلاثين من يونيو من ثورة شعبية أدت إلى إسقاط حكومة الإخوان.

أيضا، يبدو أن قيادات "الإخوان" تدرك ذلك جيدا، وهو ما كان يحتم على الجماعة أن تقبل بالوضع، وأن تستوعب أنها باتت خارج السلطة، وأن عليها أن تبحث عن طريقة أخرى للعودة إلى اللعبة السياسية، وإعادة ترتيب صفوفها، والتخلي عن كل أخطائها وقياداتها التقليدية، وخطابها الفئوي المغلق، وأفكارها وخططها القائمة على التمكين والاستئثار بكل المكاسب، واستيعاب معنى الدولة الحديثة والاستفادة من التجارب التي فصلت تماما بين الحزب السياسي وبين الجماعة بصفتها التنظيمية الهرمية.

لقد غفل الإخوان في مصر عن استلهام التجربة التركية، وركضوا إلى تمثّل التجربة الإيرانية، بالتأكيد ففي التجربة الإيرانية الكثير من الاستبداد والمغالبة، بينما في التجربة التركية فضاء أوسع للمشاركة.

كل ما حدث طيلة عام من حكم جماعة الإخوان لم يكن ليؤدي إلا لمثل هذه النتيجة، أزمات سياسية واقتصادية خانقة، وانقسام واسع في الشارع المصري، دعك من أحاديث المؤامرة ودور الدولة العميقة والتحكم في الاقتصاد، فمثل هذه اللغة يجيد الإخوان استخدامها، وقد تربوا كثيرا على مفرداتها، وهم الآن يبالغون في خطاب المظلومية والبكائيات التي تمثل جانبا مهما من القاموس الإخواني العتيق، دعك من كل هذا؛ لأن الواقع يقول إن الإسلام السياسي بأكمله، والذي مثل الإخوان تجربته الأبرز والأهم، كانت أمامه فرصة تاريخية مهمة لكنه أضاعها، وتورط في أخطاء لا يمكن معها النجاح في إدارة جمعية خيرية فكيف بإدارة دولة مثل مصر.

يبدو أن الحديث الذي كان يزعج قيادات الإخوان، هو تلك النداءات التي تتحدث عن القبول بالأمر الواقع، كأن الجماعة تدرك أنها لن تستطيع العودة للسلطة بعد كل الصور السلبية التي رسمتها وقدمتها للشارع المصري، بل وللشارع العربي، وهو ما يمكن أن يفسر التعنت الإخواني والرفض المستميت لإخلاء الميادين، وفض الاعتصامين القائمين في رابعة والنهضة، مع عدم إغفال ما يقال عما يدور داخل هذين الاعتصامين، وما يحيط بهما من شبهات.

الولاء لمصر كان يفترض به أن يعيد الجماعة للحفاظ على الدولة والقبول بالأمر الواقع، لكنهم ظلوا يتصرفون بطريقة وكأن وصولهم إلى السلطة كان مجرد خديعة قد لا تنطلي على مصر مرة أخرى، فرفضوا أية مبادرة تقضي بالحل السلمي والتهدئة وواصلوا الاعتصامات.

في كل بلدان العالم لا يوجد شيء اسمه اعتصام مفتوح لا حدود له، وكلنا نتذكر ما الذي حدث في نيويورك بعد اعتصام "احتلوا وول ستريت"، وكيف قامت الشرطة الأميركية بفض الاعتصام بالقوة؛ نظرا لأن كل القوانين تتعامل مع الاعتصامات التي تكون في المناطق الحيوية على أنها إضرار بالحياة العامة، لذلك وبعد أن دارت جولات متعددة من المفاوضات مع قيادات الإخوان، وعبر وساطات غربية قامت قوات الأمن المصرية يوم أمس بالتوجه لفض الاعتصام بالقوة، هذا هو الخيار الأصعب الذي لا يريده أحد لمصر. إنما ما الإجراء الآخر الذي يمكن اتخاذه ؟ في الواقع لا يبدو سوى هذا الألم.

الآن كلمة "عاجل" تسيطر على كل الشاشات الإخبارية، وصور الدخان الذي يتصاعد من مختلف المواقع داخل القاهرة وخارجها يشير إلى مشهد غير مقبول ولا مألوف في مصر وعن مصر، لكن يبدو أن الإخوان اختاروا المواجهة، وما حدث أمس من حرق لمقار ومراكز الشرطة في أكثر من منطقة يشير إلى أن طريق المواجهة سيكون بالتأكيد طريقا مسدودا، القضية في الحفاظ على الأمن العام، ولو أن أنصار مبارك مثلا في العام 2011 قاموا بمثل هذا الاعتصام لطالب الشارع المصري الثائر أن تتم مواجهتهم.

إذا ما تطور الأمر لمعركة مستمرة بين الإخوان وبين الأمن والجيش فسيفقد الإخوان كل فرصة لهم للعودة للحياة السياسية، لكن، من الواضح جدا أن كوادر الجماعة التي أدارت مصر حين كان الإخوان في السلطة، وارتكبوا كل تلك الأخطاء هي ذاتها التي تدير المرحلة الحالية، وهي التي تخطط لمواقف الجماعة الآن، وهي التي تواصل التشبث بالمواجهة لتجد نفسها أيضا أمام المرحلة الثانية من الخسارة.