الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، وصل إلى إسرائيل منذ أيام في زيارة مخطط لها منذ زمن مع نظرائه في الجيش الإسرائيلي. زيارته تلت ـ خلال أيام ـ زيارة أخرى عالية المستوى قام بها أحد كبار ضباط الجيش الأميركي، الجنرال مارك ويلش، رئيس أركان القوى الجوية.
ومع أن قيام كبار ضباط الجيش الأميركي بزيارة إسرائيل للتشاور مع حلفائهم في إسرائيل ليس سرا في إسرائيل والولايات المتحدة إلا أن هناك قلقا متزايدا من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني بنيامين نتنياهو قد يصدر أوامره للقيام بضربة عسكرية وقائية ضد إيران.
مشاعر العدائية لدى نتنياهو للقيام بـ"ضربة وقائية" أقوى مما كانت عليه منذ سنوات. قام نتنياهو بقصف سورية أربع مرات خلال عام، والضربات باستخدام طائرات بدون طيار في سيناء ضد متشددين إسلاميين على الأراضي المصرية أصبحت أمرا متكررا. إلى أي مدى ستذهب إسرائيل في هذه الجولة الأخيرة من الضربات؟ هل ستكون هناك محاولة أخرى للقضاء على حركة حماس؟ هل سيصل الذين يقيمون الأضرار في إسرائيل إلى نتيجة أنه حان الوقت للقيام بهجمات على جنوب لبنان في ضربة وقائية ضد حليف إيران، حزب الله، معتقدين، بعكس ما حدث في الهجمات على حزب الله في 2006، أن إسرائيل سوف تنتصر هذه المرة؟
في كتاب صدر في 2012، يسمي الكاتب باتريك تايلر دولة نتنياهو "إسرائيل القلعة"، ولكن في ذهن نتنياهو، تلك القلعة ليست آمنة بالحد الأدنى. إسرائيل مطوقة بتهديدات جيران غير ودودين، لكن ما يخيف الذين يتبنون فكرة "الدولة اليهودية" هو أن إسرائيل مطوقة بتهديدات من "أصدقاء غير ودودين"، مثل الاتحاد الأوروبي الذي أصدر عقوبات على المستوطنات اليهودية الموجود على أراض فلسطينية محتلة، ومثل الجيش الأميركي، الذي يعتقد الصهاينة أنه يسرب معلومات عن العمليات العسكرية الإسرائيلية.
ما الهدف إذاً من هجوم إسرائيلي قريب على إيران؟ أولا، بوجود حكومة إيرانية جديدة، يريد نتنياهو أن يتأكد أنه لا يوجد أفق حل سلمي للبرنامج النووي الإيراني. الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني أعلن أن أولى أولوياته إعادة إحياء الاقتصاد الإيراني المنهار. نتنياهو يصر على أن روحاني لا يختلف عن سابقيه وأنه ملتزم مثلهم بالحصول على قنبلة نووية. نتنياهو يعترف أنه قلق من أن القادة الغربيين قد يعجبون بالرئيس الإيراني "المعتدل" الجديد ويعطون طهران فرصة كافية لصنع القنبلة. ولذلك يعتقد البنتاجون أن نتنياهو قد يكون جادا في سعيه لتوجيه ضربات استباقية لإيران، وهذا دفع كبار قادة الجيش الأميركي إلى زيارة تل أبيب لثني الإسرائيليين عن هذا الأمر.
الصحفي الإسرائيلي المعروف بن كاسبيت كتب في 13 أغسطس أن نتنياهو يقترب من الفوز بأغلبية ضمن وزارته الأمنية لتوجيه ضربات استباقية لإيران. كاسبيت وجه أصابعه بشكل خاص إلى وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعالون الذي أبدى مؤخرا تراجعا عن رأيه السابق بأن توجيه ضربة أحادية الجانب إلى إيران فكرة سيئة. كاسبيت قال إن كبار الضباط الأميركيين الذين يأتون إلى إسرائيل "يؤدون دور جليس الأطفال .. لأطفال متوترين وخطيرين"، والأمر كله يتعلق بإيران ومخاوف واشنطن من أن إسرائيل سوف تشن هجمات ضد المنشآت النووية الإيرانية.
زيارات كبار الضباط الأميركيين المتكررة إلى إسرائيل هي محاولة لمنع هجمات أحادية الجانب لأنهم يخشون أن أي عمل إسرائيلي سيجر الولايات المتحدة إلى صراع محتوم يمكن أن يصبح عالميا بسهولة. في الأسبوع الماضي، أعلن الرئيس باراك أوباما أنه سيلغي اجتماع القمة الذي كان مخططا له منذ فترة طويلة في سبتمبر مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. الرئيس أوباما ذكر عدة أسباب لقراره، لكنها كلها أسباب طفولية لا تليق برئيس العالم الحر.
حتى فيما كان أوباما يتحدث بحماقة ويضيع فرصة هامة لحوار مباشر مع نظيره الروسي، كان وزير الدفاع الأميركي تشوك هاجل ووزير الخارجية الأميركي جون كيري، لحسن الحظ، يجلسان مع نظيريهما الروسيين في واشنطن لمناقشة نقاط الاختلاف ونقاط المصالح المشتركة، مثل الحرب على الإرهاب، طموحات إيران النووية وغيرها. في مؤتمر صحفي في السفارة الروسية بعد محادثات 2+2، قال وزير الخارجية الروسي سيرجيه لافروف إن "الراشدين اجتمعوا"، في إشارة واضحة للسلوك الصبياني للرئيس أوباما ومستشارته للأمن القومي سوزان رايس، من بين آخرين.
مع تراجع العلاقات الأميركية-الروسية حاليا فإن مخاطر نشوب صراع إقليمي في الشرق الأوسط احتمال حقيقي، والجنرال ديمبسي وباقي أعضاء هيئة الأركان المشتركة يعرفون ذلك تماما. إسرائيل تلعب دورا خطيرا بشكل خاص في هذا الوضع. تحت الرئيس أوباما، حصلت إسرائيل على تقنيات متطورة لأنظمة الأسلحة أكثر من أي وقت مضى في تاريخ العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة.
ومع أن قوة اللوبي الإسرائيلي بدأت تضعف إلى حد ما، إلا أنهم لا يزالون قادرين على حشد الأغلبية من أعضاء الكونجرس ومجلس الشيوخ لتأييد إسرائيل. قبل إجازة الكونجرس لشهر أغسطس بقليل، وبأغلبية كبيرة، صوت مجلس النواب على عقوبات جديدة صارمة ضد قطاع النفط الإيراني. لغة العقوبات تمت صياغتها في مكاتب منظمة (ايباك)، أقوى لوبي صهيوني في الولايات المتحدة.
إذا شنت إسرائيل ضربات وقائية ضد إيران، يراهن نتنياهو ومؤيدوه أن حلفاءهم في الكونجرس سيطالبون بتدخل الولايات المتحدة لإنهاء العمل. إسرائيل لا تستطيع أن تدمر البرنامج النووي الإيراني وحدها. لكنهم يستطيعون أن يوجهوا الضربة الأولى، ويعتمدون على جر واشنطن لإنهاء العمل الذي بدؤوه.
هذا هو الكابوس الذي يؤرق الجنرال ديمبسي وكبار ضباط الجيش الأميركي. ولهذا يقضي كبار الضباط هؤلاء الكثير من الوقت في إسرائيل. هم يعرفون النتائج التي قد يصلون إليها في حال لم يحافظوا على يقظتهم.