يقف الغرب الأعداء عند كل محاولة للمسلمين كي ينهضوا، ويتآمرون ضد كل من يدعو إلى الإصلاح والتحديث الحقيقي في بلاد المسلمين، فهم يدركون أنه بالإصلاح سيتوقف الكثير من الموارد والنفوذ الذي يتمتعون به اليوم!

كثيرا ما نسمع ترديد هذا الكلام في خطبنا وفي كلام عوام الناس، وبغض النظر عن مدى دقة هذا الكلام إلا أنه لا يمكن وصفه في الحقيقة إلا بأنه إلقاء تهمة الفشل على الآخرين!

لماذا نجحت ماليزيا وتركيا؟ لماذا نجحت حتى اليابان وكوريا الجنوبية بأن تنافسا الغرب، وهما تعتبران داخلتين في النفوذ الأميركي؟

نعم بالتأكيد هناك استعداء وتآمر، ولكن الفشل لا يفرق بين فاشل بسبب أعدائه أو بسبب نفسه! كما أن التنافس يحصل في كل ميدان حتى بين الإخوان، فهل يمكن تبرير الفشل بوجود المنافس؟ وأليس وجود المنافس هو سبب النجاح بالتفوق عليه؟

إن أي محاولة للإصلاح والتغيير لا بد أن يحصل فيها تنازع بين من يشعر بأن الإصلاح يستهدفه أو يستهدف مصالحه، وبين من يدعو للإصلاح، ولكن الفشل قد يكون بسبب أخطاء أي منهما وليس حصرا على أحدهما!

هناك سؤال استراتيجي؛ يجب أن يدركه كل من يدعو إلى الإصلاح؛ وهو هل يمكن تحديد الأسس التي يتوقف عليها الإصلاح والتغيير للأفضل؟ وما هي؟

نعم بلا شك يمكننا ذلك، ولكن بشرط أن نفكر بعقل الباحث عن المشكلة بصدق، وليس بالاستمرار في ترديد أفكارنا التي نجترها في كل حادثة، والانفكاك عنها بنظري هو أول طريق نحو التغيير!

لا أدعي امتلاك خارطة طريق نحو التغيير، وإنما سأحاول وضع نقاط عريضة، بنظري أنها من أهم المفاتيح نحو الحل، ومنها:

يجب لأي كيان كي ينمو أن يكون لديه مركز أو نقطة التقاء يبني عليها كما هو الحال في نواة الخلية، فإيجاد فكرة يسعى إليها الجميع ويتفقون عليها من أهم ركائز البناء الحضاري، وبنظري أن العائق الأكبر أمامنا هو عدم وجود هذه الفكرة في الواقع!

هناك أطروحات كثيرة متغايرة في ما بينها، إلا أنها كلها للأسف حتى الآن لم تؤسس لشيء يمكن الاعتماد عليه، فبينما تطرح بعض التيارات الدينية أفكارا متغايرة، ويعيبها خصومها بالكثير من عدم التواؤم مع مدركات العصر وتطوراته، نجد أيضا في المقابل من يطرح رؤى بعيدة كل البعد عن قيم وتاريخ وحضارة البلد!

أمر آخر مهم؛ وهو الخروج من عقدة أن الآخرين يستهدفوننا، وتجاوز هذا المُخدِّر بالبحث عن أخطائنا بتجرد، والاستفادة منها بدلا عن البحث عن مشاكل الآخرين والتنقيب عن الأعداء وتكرار المشكلة كل مرة!

وفي ظل متغيرات العصر، ولكون العالم أصبح قرية واحدة؛ أصبح من ركائز التحديث الانفتاح على الآخرين وإبداء السلمية والتصالح معهم والاستفادة من منتجاتهم وخبراتهم (مع الحفاظ على القيم)، حيث لا يمكن التقدم بلا مشاركة للآخرين الآن. وهذه النقطة لم يستوعبها الكثير من التيارات التي تبني نظرياتها على التراث فقط بعيدا عن التجربة وتحديات الواقع.

فإذا كانت الصناعة لمنتجات بسيطة قد لا تتم إلا بالاستفادة من عدة تقنيات موزعة بين عدة شركات، غالبا لا تكون في بلد واحد، فكيف ببناء دولة بتشابك مصالحها وشؤونها؟

ومن الأسس التي يتوقف عليها الإصلاح لدينا؛ هو التوقف عن الخطابات التصعيدية والعدائية للآخرين، وتنحية رموز إشعال الفتن في كل التيارات وتجاوزهم واصطفافاتهم إلى التنافس الشريف في الميدان البناء، لماذا نبقى رهينة أزمات ماضية؟ لماذا لا نتجاوزها ونبدأ مرحلتنا بهدوء؟

أثبت التاريخ المعاصر فشل أغلب الدعوات الثورية إن لم يكن كلها، كما سجل شهادة تفوق نادر للدعوات الهادئة والبناءة. ولكن للأسف أن مجموعة من الأشخاص ربما يوقعون بلدانا في مصائب هم في غنى عنها!

أنا هنا لا أبرئ الأعداء من جرائمهم ومؤامراتهم أبدا، ولكن من يبحث عن الخلاص يجب أن ينعتق عن ربقة الماضي ليتجاوز مشاكله، وبنظري أن المساحة واسعة ويمكن تجاوز الكثير من المشاكل، ولكن بشرط الهدوء والإصلاح الفكري قبل أي شيء آخر.

نقطة أخرى مهمة وهي أنه لا يمكن تصوّر الإصلاح عقلا إلا بمعرفة معيقاته، ويجب محاربة كل من يعيق تجاوز تلك المعيقات! لا يمكن تجاهل أن كثيرا من الأفكار التي تؤسس على أساس ديني خاطئ تعيق الكثير من الإصلاح وربما تمنعه!

ولا أريد الخوض في الكثير من الأمثلة لما تثيره هذه المسألة من حساسية خاصة مع ضيق المساحة هنا، ولكن سأعود إلى أمثلة تاريخية، مثل وقوف المفتي آنذاك وعدد من علماء الدولة العثمانية ضد تحديث الجيش والدولة بدعوى أنها أفكار قادمة من الغرب! في ظل أن جيوش الغرب ودولهم آنذاك تتنافس بشدة نحو التطوير بلا عوائق!

نعم لا أريد أن أحمل المسؤولية كلها عليهم، فالدولة العثمانية كانت تعاني من العديد من المشاكل إلا أن أساس المشكلة بنظري هو عدم وجود وعي وإدراك أين هي المشكلة؟ وأين هو الحل!

تساؤل آخر مهم، وقد يفيد في تلمس عوائق الإصلاح؛ وهو ما هو الإصلاح الذي نرجوه؟

هناك من يتبنى الإصلاح الديني حسب رؤيته الخاصة، ولكن الكثير من خصوم هذا التيار يتهمونه بأنه لا يوجد لديه تصور لرؤية سياسية واضحة قابلة للنجاح والاستمرار في ظل تعقد السياسات الدولية وتشابكها. فهذه التيارات غالبا ما يكون لديها رؤية دينية تفصيلية في أمور معيشية بسيطة أكثر من تصورها لأمور السياسة والاقتصاد والمال.

كما في المقابل؛ هناك تيارات حداثية ولكنها لا تملك رؤية قِيَمِيّة مقبولة في المجتمعات التي تعيش فيها!

وبين هذا وذاك؛ يضيع المواطن البسيط والبلد معه!

نحتاج إلى خطابات إصلاحية جديدة تؤسس لفكر وطني يجتمع عليه الناس ومن خلالها تبدأ المشاركة الفعالة والبناءة من كل أطياف المجتمع في مستقبل مشرق بإذن الله.