كم مرة دخل أحدنا دائرة حكومية من الدوائر الخدمية التي يحتاج إليها، فوجد نفسه مضطرا لأن يتعامل مع صنفين من الموظفين (موظف مجتهد) في عمله، يقدر مراجعي مكتبه، يقوم بمهامه على أكمل وجه، ينجز أعماله بكفاءة، ويبدي نشاطا واضحا لمن يزور مكتبه، من خلال انكبابه على الأوراق، وتنقله بنفسه للبحث في الملفات، وقيامه بالتصوير بنفسه إلى أن يسلم المراجع كامل الأوراق ومعها شرح عبارة لطيفة "موفق".

وصنف آخر من الموظفين هو (الموظف المقصر) فما إن تدخل مكتبه حتى تبدأ في قراءة أخلاقياته وسلوكه مع الناس، ومنذ الوهلة الأولى تلحظ ذلك، فحينما تلقي عليه التحية، تجده متجهما، وكأنك اقتحمت عليه منزله وليس مكتبا عاما في دائرة حكومية، فقد لا يرد عليك التحية لا مثلها ولا أحسن منها، وقد يبادرك بنبرة حادة بقوله (وش تبغى؟) وإن تكرم ورد التحية، فقد يرد بهمس، وغالبا ما رأينا عينات من هذا الصنف وهو يرد التحية بكلمة "سلام" لا تسمع منها سوى حرف "السين" ويردها بتثاقل، وكأنها عبء عليه، وما إن تفاتحه في موضوعك وقبل أن تنهي كلامك، حتى يقول لك راجعنا بعدين! وقد يترك المكتب وأنت موجود، وقد تضع ملفك أو أوراقك على مكتبه، فيسارع إلى أمرك بحمل أوراقك في يدك حتى يطلبها، هكذا نجد أنفسنا مع بعض موظفي الدوائر الحكومية الخدمية، مع صنف يدرك مسؤوليته ويعي سر وجوده، وأنه وضع لخدمة الناس ويأخذ مقابل عمله، وعليه أن يقوم بواجبه الديني والوطني والوظيفي، وصنف آخر مستهتر، لايهمه سوى قبض مرتبه حينما يحين موعده، أما عمله (فسيان) عنده أنجز أم لم ينجز، فمركزه الوظيفي محفوظ وفي أمان، ومرتبه لا ينقص منه قرش واحد، وليس هناك آلية متبعة على الواقع لتقيس مقدار جهده وما أنجز من أعمال ومهام، وليس هناك من سيحاسبه فيما لو أطال مدة ما أوكل إليه من أعمال، أو سوّف فيها أو أهملها، وإن حدث شيء من المحاسبة التي قد تلاحقه من رئيس في دائرته، فهي قد تضيع في حفلة "حبة خشم" قصيرة، ويتم نسيان تقصيره في واجباته تجاه المواطنين الذين تركوا أعمالهم ومصالحهم ودوائرهم، ليراجعوا في سبيل إنهاء ما يخصهم، فكان الموظف المقصر لهم بالمرصاد، الذي لن يجد من يوقفه عند حده، لأن هناك في الدائرة نفسها، من سيؤنب المدير المسؤول أو الرئيس في العمل حينما يريد تفعيل دور المحاسبة والمراقبة بقولهم "لا تأخذ المنقود وخذ الجميل وترى الكرسي دوار" بينما هذه العبارات، لا تقال للموظف المقصر حين يقصر، هذه صورة جلية لبعض دوائرنا الحكومية الخدمية، وهو واقع لا يمكن أن ننكره، وأعزو ذلك إلى غياب مبدأ (الثواب والعقاب وعدم تفعيله في تقييم أداء الموظفين) ليأخذ الموظف المجتهد حقه، ويعاد تقويم الموظف المقصر.