شيء محزن أن يكون لدينا نحن أمة "اقرأ" ومهبط الوحي ثقافة أطلقتُ عليها "ثقافة ذاكرة السمكة". سبب اختياري لـ"ذاكرة السمكة" أتى بعد جلسة عصف ذهني مع البرفسور سعد الراشد والدكتورة مها السنان. بدأت بحزننا على مصر وما يحدث فيها، وانتهت بسرد للمنجزات التي تحققت في المملكة العربية السعودية منذ عهد الملك عبدالعزيز، مرورا بعهود أبنائه الملوك من بعده: سعود وفيصل وخالد إلى بداية عهد الملك فهد يرحمهم الله جميعا، وما جعل هذا الحديث ممتعا هو انتماؤنا لثلاثة أجيال مختلفة، كل منا شاهد على مرحلة، وأكثر ما جعل الحديث شيقا ورشيقا هو طريقة السرد.

كان يبدأ بسؤال مني يجيب عليه البرفسور سعد الراشد، وتشارك عند انتصافه الدكتورة مها السنان، ويختم بتأكيد مني بحدوثه في الزمن الحالي، لأسأل نفسي السؤال المعتاد المكرر الذي سئمت منه وسئم مني، لماذا ننسى؟ لماذا غالبا نقع كمجتمع في نفس الأخطاء أو نكررها؟ تذكرت حينها المقولة التي لو سألت صديقك عن غدائه اليوم لرد قائلا: "آه لقد نسيت، أعذرني فأنا ذاكرتي كذاكرة السمكة".

مسكينة السمكة التي لم تسلم من اتهامات البشر، لو أن للسمكة صوتا لشكت علينا بتهمة "القذف"، هذا الاعتقاد ووفق دراسة علمية أجراها مختصون في علوم الأحياء المائية، ليس صحيحا.. "أليكس فيل" من مركز البحوث البحرية في ليزارد بأستراليا، الذي لاحظ أن الأسماك تتذكر الناس، وقام بإجراء البحوث الميدانية وبحوث الأحواض المائية ليظهر لنا أن الأسماك تتذكر وتتواصل مع الكائنات البحرية الأخرى وتتعاون. يقول أيضا إن أسماك الهامور ذكية جدا، أو لديها ذاكرة جيدة على أقل تقدير، فهي تتذكر الغطاسين جيدا لعدة أسابيع، وذكر أنه قام بإطعامها لعدة مرات، ولم يعد للمكان نفسه إلا بعد مرور ثلاثة أسابيع، وجدها تجلس قريبا من قدميه منتظرة الطعام، فهذه الأسماك لا تقترب بهذا القدر، ولكنها تعرف أنه قام بإطعامها.

بحثت كثيرا عن مصدر هذا الاعتقاد لكنني لم أجد إلا قصة واحدة تؤكد أن ذاكرة السمك الذهبي قصيرة كحجة للبرهنة على أن حجر السمكة في وعاء مدور صغير ليس تعذيبا، ويعنون بذلك أنه بعد دورة واحدة ستنسى السمكة أنها كانت هنا. لا أحد يعلم مصدر هذه الإشاعة. ففي الصين توضع الأسماك الذهبية في أوعية زجاجية صغيرة منذ ألف عام، لكن الصينيون لا يعرفون هذه الإشاعة.

ظهرت هذه الإشاعة على الأغلب في أوروبا، بعد أن جاءت هذه الأسماك وأصبحت جزءا من عادات الطبقة الغنية، أيها "المدرعمون".