سأختار ثلاثة من الاثنين وأربعين مشروعاً تقوم بها وزارة التعليم العالي لبحث معوقات الجامعات.. ابتداء نحمد لهذه الوزارة هذا الكم الهائل من المشروعات البحثية التي تعالج معوقات الجامعات كي تساير مؤسساتنا العلمية العصر الذي نعيش فيه، العصر الرقمي الذي يعلم الجميع أنه من السخف ألا يعيش العالم في العصر الرقمي، وأن أي دولة أو مؤسسة أو أفراد لا يعيشون هذا العصر هم في الحقيقة خارجه.

نحمد لوزارة التعليم اعترافها ضمناً أن هناك خللاً في مؤسساتنا التعليمية، وأن هذه المؤسسات تواجه معوقات تقف حجر عثرة في سبيل مواصلة رسالاتها، هناك من هذه المشروعات ما يتناول بعض القضايا التي تحدث عنها المجتمع، ويعاني منها الطلاب، وأمثلة ذلك البرامج الجديدة في الجامعات التي يتم تبنيها مثل السنة التحضيرية، والواثق دائماً لا يدافع عن أي نهج انتهجه إلا بعد تقويمه بدراسات علمية تفضي إلى نتائج علمية. أولاً: السنة التحضيرية برنامج جديد لا يمكن لوزارة التعليم العالي أن تدعي أنه قد حقق النجاح المأمول منه في ظل شكاوى كثير من الطلاب وفي ظل عدم تقويمه علمياً، وهي تحسن الصنيع بقيامها بدراسة هذا البرنامج بحيث يكون في المستوى المأمول منه.

وما دام الحديث عن السنة التحضيرية كأحد المشروعات الاثنين والأربعين التي تعمل الوزارة على تقويمها فلعلي أقترح على الوزارة أن تقوم بتجربة رائدة قامت بعض جامعات الولايات المتحدة الأميركية الرائدة في ولاية كاليفورنيا بعمل ما يسمى California Academy ويعني التعاقد من جهات أكاديمية متخصصة فقط في السنة التحضيرية، ففي ولاية كاليفورنيا يوجد برنامج السنة في خمس وثلاثين جامعة، فيها تسع عشرة جامعة في كاليفورنيا نفسها والباقي خارج الولاية في طول الولايات المتحدة الأميركية وعرضها، وبذلك لا تشغل الجامعة نفسها ببرامج خارج اختصاصاتها.. مثل برنامج اللغة الإنجليزية المكثف الذي يعتبر عصب السنة التحضيرية، السنة التحضيرية هم بحد ذاته.. ومتطلبات برامجه تتطلب جهوداً وخبرات ومناهج وأساتذة من غير اليسير على أي جامعة أن تنجح فيه بسهولة، ولهذا تلجأ الجامعات في الغرب إلى تجيير هذا البرنامج إذا صح التعبير، إلى جهات متخصصة.. وأنشأت بذلك سوقا أكاديمية، ولا عيب في ذلك، لتولي هذه المهمة والتركيز عليها، المأمول أن تقوم وزارة التعليم العالي بدراسة تجارب تلك الجامعات ومعرفة مدى نجاح تلك التجارب والاستفادة منها.

ثانياً: الرسوب والتسرب ضمن الاثنين وأربعين مشروعاً التي تدرسها وزارة التعليم العالي مشكلة كبيرة في مجتمعنا لا تقتصر على التعليم الجامعي بل قبله التعليم العام، وهذه المشكلة لها أبعاد خطيرة، ولا بد من علاجها، والسنة التحضيرية ذات صلة وثيقة بالرسوب والتسرب فربما كان لدى الطالب استعداد للنجاح في الجامعة لكنه لا يملك مهارات التعامل مع متطلبات الجامعة لتأتي السنة التحضيرية وتعالج هذه المشكلة، والرسوب والتسرب يجعلنا نسأل السؤال البديهي: أين يذهب هؤلاء الراسبون أو المتسربون الذين تطردهم الجامعات بسبب تكرار رسوبهم؟ واقتراحي هنا أن يوقف العمل بهذا النظام فوراً لأسباب أمنية تتعلق بالحساسية التي تشهدها المجتمعات الآن ويمكن تفعيل دور السنة التحضيرية للتقليل من هذه المشكلة ومن يستمر رسوبه فلا يطرد بل يتم استبدال الرسوب بالمكافآت أو أي بديل آخر، والبعد الثاني للمشكلة التسرب، وهذا أيضاً له أسبابه ولا بد من معرفتها والحد من مشكلة التسرب أيضاً لخطورتها على مجتمعنا، خصوصاً أن الراسبين والمتسربين لا يملكون مهارات يتطلبها سوق العمل، وبالتالي فإن سوق العمل يلفظهم.

ثالثاً: الابتعاث الخارجي.. حيث مضى على برنامج الابتعاث فترة طويلة وحان وقت تقويمه، فهو مشروع استراتيجي ويعمل على توسيع دائرة وجهات الالتحاق لخريجي الثانوية العامة، ويتميز هذا المشروع من حيث استشعاره بأن عصرنا قد استجدت فيه مجالات عمل غير تقليدية، وأن سوق العمل أصبح في حاجة إلى كوادر تعمل في تلك المجالات، ونظراً لعدم وجود كفاءات وطنية يتم اللجوء إلى خارج الوطن للتعاقد مع كوادر في هذه التخصصات، وهذا المشروع سيمكن الوطن من التعرف على مجالات جديدة يحتاجها سوق العمل ويتم التوسع فيها ويتم إلحاق خريجي الثانوية فيها ليحلوا محل الوافدين.

والمهم هنا في هذه المشروعات وبقية المشروعات الأخرى التي تشكل عوائق لنجاح التعليم العالي، أن يؤخذ في الاعتبار..

أولاً: سرعة تنفيذ هذه المشروعات وألا تقف البيروقراطية عائقاً للتنفيذ.

ثانياً: عندما تقدم تلك الدراسات النتائج العلمية التي تحمل لنا حلولاً مبنية على أسس علمية يتم الشروع في تنفيذ تلك الحلول ومتابعة تنفيذها في الميدان ومعرفة عوائق التنفيذ.

سوف تجد الوزارة معوقات أخرى عندما نبدأ في علاج المعوقات ولا بد من التعرف على هذه المعوقات، من تلك المعوقات بعض العاملين الذين يحملون وجهات نظر مختلفة تجاه تلك الحلول فيتباطؤون ولا يتحمسون لها، حتى لا أقول يواجهونها، ولا بد من إشراف مباشر وتقييم حازم لتأخذ تلك الحلول طريقها إلى الميدان، نصف المشكلة ينتهي بالتعرف على الحلول، والنصف الثاني ينتهي عندما تأخذ تلك الحلول طريقها إلى الميدان.

وأنبه الآن من هذا المنبر إلى أن تنفيذ تلك المشروعات شيء جميل وتشكر عليه الوزارة بالاعتراف بالعوائق أولاً ثم تبني مشروعات لحلها، لكن الصعوبة تكمن في أن تأخذ تلك الحلول طريقها بحزم إلى الميدان وألا تسامح مع المقصرين العابثين الذين يقفون عثرة في سبيل التحسين والتطوير.

لعل المقترحات التي تخرج بها تلك الدراسات تناقش آليات التنفيذ وطرقه وأساليبه وتشير إلى تحديد برنامج زمني يتم فيه تنفيذ تلك الحلول وفق طبيعة العائق الذي يشكله والحل الذي يتطلبه..

وخلاصة القول.. شكراً لوزارة التعليم العالي ونتطلع جميعاً إلى اليوم الذي نرى فيه مؤسساتنا العلمية تنافس مثيلاتها في العالم ولا يكتنف مسيرتها أي معوقات.