في وقتٍ تتلبد فيه سماء الصيف معلنةً الانتهاء والاستعداد لعام دراسي جديد، يعود اليوم أكثر من نصف مليون معلم ومعلمة في وزارة التربية والتعليم إلى مدارسهم ومراكزهم التربوية. تتكرر عودتهم كل عامٍ بنفس النمط الوظيفي باستباق عودة الطلاب بأسبوع أو أسبوعين، يعودون من إجازتهم مبكراً انتظاراً واستعداداً لبدء العام الدراسي، منتظرينه بتذمرٍ وقلقٍ مع شغفٍ كبيرٍ لمعرفة توزيع الجداول الدراسية ونصيب كل منهم في عدد الحصص الدراسية ومسار عام كامل، ومن هنا سأسرد توقفاً لما يلي.. وللتالي:
• أسبوع توقيع الحضور والانصراف أو (أسبوع الوزير) - كما يسميه بعض المعلمين منذ القدم - يُعدُّ أزمةً متكررةً تطارد مديري المدارس ومسؤولي التربية لارتباطه لدى المعلمين بقطع (الإجازة) عند نهاية العام الدراسي أو بدايته، لذلك تجد بعضهم غير راضٍ عنه ومتذمراً منه، لذلك يصعب على من يتابع المجتمع التربوي ألا يتكرر لديه اختلاف وجهات النظر المتجددة بداية كل عام أو نهايته حول هذا الأسبوع، ولكن دعونا نعرج كالعادة على خطة وزارة التربية والتعليم للاستعداد لهذا "الأسبوع" التمهيدي _ كما وصفه صديقي المعلم العتيق _ ومنه ننطلق بـ:هل لدى وزارة التربية والتعليم في هذا الأسبوع "على الأقل" وغيره خطةً تتماهى مع مكانة "المعلم" وحفظ حقوقه وتطويره..؟
• في زمن الشواهد الحاضرة وعند النظر في تجربة كثير من الدول المتقدمة، نجد أن المعيار الحقيقي لنهضة الحضارات والأمم يبدأ من صنع المعلم، لأنه "شريكٌ" رئيس في إرهاصات التنمية وصولاً إلى بناء الحضارات والأمم، فقل: أين وصلت ووُضعت مكانة المعلم، لتعرف أين موقعك وأجيالك من العالم الآن؟
• وبمدى أفقي وعند استعراضنا لوضع "المعلم" السعودي، فإننا نجده أسفاً _في الآونة الأخيرة_ يتأرجح بين رسالته والبحث عن حقوقه المهنية والاجتماعية تحت وطأة التذمر تارةً، وجلد الذات تارةً أخرى، حتى أصبح مادةً سائغةً للتصريحات الساخنة، والمقالات المتكررة بين التأنيب والتأليب والندب، وبين أعمدة الصحافة سبقاً وأخباراً، وتحت فرشاة رسامي الكاريكاتير تندراً، وبين أفواه المجتمع قصصاً تسيّره وتراوحه بين الخطيئة والذنب أحياناً والبراءة حيناً.. وصولاً إلى أقسام المحاكم والشرطة ضارباً أو مضروباً!
• قد تكون هناك حالة نفسيّة من الإحباط تهيم بالمعلم وحقوقه المهدرة، بدءاً من التقدير الوظيفي الكافي بأخذ مرتبته المستحقة، وبمنحه المساحة الكافية للإبداع التربوي، والأخذ بمشاركته في صياغة واتخاذ القرارات التربوية والتعليمية من إعداد المناهج والمقررات الدراسية والقياس والتقويم، مروراً بتأمين متطلباته من الاستقرار الاجتماعي في حركة النقل السنوي، وإبعاده عن الضغوط النفسية وتفهمها، والظلم الإداري ومتابعته، وتكريم المتميّز بدلاً من إهماله، وجلب الخدمات له من احتياجات يفتقدها كالتأمين الصحي والأندية الرياضية والإعلام التربوي المتابع وغيرها... وهنا فإن العمل على رفع مستوى المعلمين وتحسين العملية التربوية ومضامين التعليم يطرح مشكلات عديدة ليس من السهولة أو المستحيل حلها، فبكل أمانة معلمونا اليوم يعيشون أوضاعاً تحتاج الدراسة وتستحق البحث والعمل الدؤوب من أجلهم، لأنه ومن أبسط حقوقهم أن يطالبوا بالتمتع بالبيئة المناسبة والعمل الجيد، وكذلك بتقدير مكانتهم التي تنم عن الاعتراف الحقيقي بجهودهم، بل بوجودهم أصلاً!
• وبمنعطف الأرقام نتوقف عند ميزانية عامنا الحالي لوزارة التربية والتعليم فقط، والتي بلغت 118 ملياراً و425 مليون ريال، وهو ما يمثل 14.22%، من ميزانية الدولة، أي بزيادة عن العام المالي الماضي بـ17 ملياراً و425 مليون ريال، وسؤال "طارفٌ" هنا: كم كان نصيب "المعلم" من هذه الميزانية خارج حسبة "الرواتب الشهرية"؟
• وممّا سبق وغيره، يبقى "المعلم" هو الركيزة الرئيسة للعمل التربوي في كل نظام يريد أن يصنع المستقبل، وما زلت جازماً بأنه لن يفرض احتراماً وتقديراً له ولوظيفته ورسالته السامية سواه، وإذا أراد المعلمون الاحترام والتبجيل الحقيقي فعليهم أن يقابلوا ذلك بالوفاء برسالتهم بكل تفان، والإحساس بالمسؤولية الواقعة على عاتقهم، وقد نعود مربعات فارغة إن لم يؤمن المعلم برسالته الحقيقية مهما كانت المعوقات.
• ومع بداية عام دراسي جديد لمعلمينا ومعلماتنا علينا أن نؤمن بأنهم محتاجون لوقفات صادقة، من وزارتهم "الأم" والمجتمع والإعلام.. وهذا ما ننشده لمعلمي ومعلمات بلدنا العامر، الذين نلهج لهم بالدعاء في الإخلاص في العمل والعون المحمود لكل ما يقدمونه. وكل عام دراسيٍّ وهُم وطُلابنا بازدهار فكرٍ وخيرٍ لوطنٍ معطاء.