اختتمت في العاصمة الأردنية الأربعاء الماضي تحت رعاية ملكية سامية، أعمال المؤتمر السادس عشر لمؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي، بعنوان (مشروع دولة إسلامية معاصرة قابلة للاستمرار ومستدامة).. بداية المؤتمر ـ كما شهدتها ـ كانت صريحة ومحفزة؛ طرح خلالها الدكتور الأمير غازي بن محمد بن طلال رئيس مجلس أمناء المؤسسة تساؤلات دقيقة ومباشرة: "هل الشريعة في الحكم الإسلامي مصدر السلطات، أو الشعب، أو دستور ما، أو الإجماع؟ وهل حقوق الإنسان في المفهوم الديمقراطي تتناسب مع حقوق الناس ومقاصد الشريعة في الإسلام؟ وماذا عن حقوق التعبير؟ وما هو السواد الأعظم؟".. وفي ظل هذه الإثارة، والظروف المؤسفة التي يشهدها العالم العربي في الوقت الراهن، وبعيدا عن المفاهيم المتحيزة قدم أكثر من مئة عالم يمثلون جميع المذاهب والمدارس والاتجاهات الفكرية الإسلامية، من ثلاث وثلاثين دولة عربية وأجنبية، وعلى مدى ثلاثة أيام في المؤتمر الذي هدف إلى الخروج بتصور معين لفكرة دولة إسلامية حديثة دائمة ومستمرة، ـ قدموا ـ تصوراتهم لمفهوم الدولة الإسلامية المعاصرة التي تستمد أسباب استمراريتها من خدمة شعبها ومواطنيها، وطرحوا بكل أريحية وجهة النظر الفكرية الإسلامية، وكان المؤتمر خير دليل على دور الفقهاء والمفكرين في توضيح مبادئ الفكر الإسلامي للحفاظ على حقوق الناس وحرياتهم في ظل دولة إسلامية قابلة للاستمرار..
مؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي ـ التي أفتخر بعضويتي فيها منذ أكثر من ثلاث سنوات ـ تسعى بشكل دائم لإبراز الموقف الإسلامي المعاصر من القضايا التي تواجه العالم العربي والإسلامي، من خلال دعواتها الحثيثة للاعتدال، والوسطية، والسماحة، والانفتاح على العصر، والإجابة على أسئلته بما ينسجم مع القيم الإسلامية السمحة، وأستطيع أن أقول، بكل ثقة وتجرد، إن هذا المؤتمر الراقي الذي نظمته المؤسسة بكل اقتدار يعتبر إضافة مهمة لإنجازاتها السابقة، والمنتظر من القائمين عليها إصدار أعمال المؤتمر، ومداخلات الحضور في كتيب خاص، يتضمن الكلمة السامية لجلالة ملك الأردن للمشاركين في المؤتمر خلال استقباله الكريم لهم، مع توصياتهم..
الملك عبدالله الثاني بن الحسين في كلمته الضافية كرر الدعوة "لرفض ووقف العنف الطائفي والمذهبي، لأن فيه خراب الأمة"، وأكد بوضوح على أنه "يجب التفكير في الديموقراطية كغاية بحد ذاتها، وليس مجرد أرقام ونسب تستخدمها الأكثرية السياسية ضد الأقلية.. وأن الغلبة ليست جوهر الديموقراطية، بل إحساس الجميع بأنهم ممثلون، وهذا هو جوهر الإجماع السياسي في الإسلام"..
أما التوصيات فقد كانت متوافقة مع الواقع بشكل كامل، ومن أهمها الإشارة إلى أن "النموذج الأنسب للدولة الإسلامية القابلة للاستمرار والاستدامة هو (الدولة المدنية)، التي يحكم فيها المؤتمنون من أهل الاختصاص كل في مجاله، بالاعتماد على الدستور المبني على أساس احترام القانون، والمساواة بين جميع المواطنين من كافة الأطياف العرقية والدينية، بما لا ينافي المبادئ العامة للدين الإسلامي الحنيف.. وأن التعددية المذهبية اختيارٌ يجمع ولا يفرق، وفي عمومها رحمة لأنها تقدم حلولاً متنوعة للمشكلات، ويمكن الاستفادة من كل الآراء والاجتهادات الفقهية.. وأن استخدام الصراع الطائفي والحض عليه في حل المشاكل التي تعرض داخل الدولة، حتى ولو كانت ناشئة عن إخلال بالعقد الاجتماعي مرفوض، ولا بد من وضع القوانين الصارمة المانعة لذلك، وأن لا تحل المشاكل إلا بوسائل السلم والحوار والتفاهم..".
فهل من مستوعب، ثم هل من منفذ!؟