يكشف لنا "يوتيوب" بوصفه وسيلة إعلامية جديدة ومؤثرة، عن عيوبنا وأخطائنا، وإليكم أحدث النماذج:
أتى إلى صلاة الجمعة، بعد أن شاهد مقتل 1300 من الأطفال بسلاح جبان لا تستخدمه البشرية اليوم إلا في عالمنا الخارج عن العصر، الموغل في التوحش والتخلف والبربرية، على يد نظام سفاح، في مشهد مخز، مكلّل بالتخلف أوردته كل شاشات العالم الذي بتنا نناشده أن ينقذنا من همجيتنا! أتى إلى الجامع، بعد أن تابع "الفرقة" في مشاهد تفجير مفخختين بمسجدين بطرابلس وقت خروج الناس من الصلاة في مشهد آخر يحاول يائسا أن ينافس في الدموية مشهد ريف دمشق، أتى إلى المصلّى بعد أن اصطلى بالمفخخات في مقاهي العراق، والعنف في القاهرة، وضحايا التفجيرات في باكستان، أتى إلى بيت الله هربا من همزات الشيطان، بحثا عن راحة نفسه، وهدوء باله، فماذا وجد هذا المسكين المحتقن من القنوات، الهارب من "مسالخ" الشاشات، المثقل "بالبرودكاسات" التي تطارده ليلا ونهارا، محملة بجثث الضحايا، وعويل الأرامل، وأنين الأطفال، وتحليلات الكذابين المؤدلجين، ماذا وجد هذا الباحث عن لحظات روحانية تطمئنه بذكر الله، تهدئ نفسه المشتتة، وتعيد السلام إلى حيرته، وهو يبحث عن نافذة صغيرة للأمل، شمعة تضيء له آخر النفق العربي البائس، تذكره بأنه ينتمي إلى أمة عظيمة، ودين انتشر بأخلاق أهله، ورحمتهم، وعبقريتهم، أمة لا يمثلها القتلة، والغادرون، والسفاحون، ماذا وجد إلا خطابا تعبويًّا آخر وعلى الهواء مباشرة، من خلال خطبة جمعة، تصب المزيد من الزيت على نفسه التي تذوب حيرة وقلقا.
يا خطباءنا الأجلاء: متى تدركون أن دوركم ليس أن تخرجوا بسطاء الناس عن أطوارهم بل أن تعيدوهم إليها بحكمة وموعظة حسنة؟