"حركة".. "حزب".. "فصيل".. "جماعة".. "طائفة".. "أتباع".. "مؤيدو".. "عنف".. "مقتل".. "إصابة".. "اعتقال".. "انتقام".. "سلاح".. "رصاص حي".. "حرق".. "سحل"؛ هذه المفردات وغيرها هي المسيطرة سيطرة تامة على لغة الخطاب الإعلامي العربي والأجنبي منذ بضعة أشهر، وهي ذات دلالات تختلف وتتفق، إلا أنها – في المجمل - تدل على الشتات والفرقة والتناحر والخلاف لا الاختلاف، وبينهما فروق جوهرية.

في المقابل، تلاشت ألفاظ مثل: عدالة، حرية، مساواة، حوار، سلام، رحمة، عفو، وذلك بدهي أمام الأدلجة المتصلة، بنوعيها: التعبوي، والعقدي.

الضحايا هنا هم: الإنسان، السلام، الأمن، الحب، الكرامة، الحياة، السعادة، وفوق ذلك كله الأمة بمكونيها: العربي والإسلامي، والمنتصرون في كل الحالات هم: محتلو أراضيها، والمتربصون بضعفها، ومهينوها بتدنيس مقدساتها.

الجاني ـ هنا ـ وفي كل الحالات هي: "الأدلوجة"، التي كانت تعني في أصلها اللغوي الفرنسي: "علم الأفكار"، إلا أنها انحرفت أو تطورت دلاليا، لتصير إلى تخير الأشياء انطلاقا منها، وتأويل الوقائع بطريقة تنطلق منها وتؤول إليها، ثم الإقدام على الأفعال اهتداء بها، دون أي إعمال للعقل، ودون إيمان بالفرد بوصفه القوة الأقوى من كل التحزبات، إذا استطاع الانعتاق من "عماية" الانتماء الحزبي التي تحول "الأدلوجة" من عقيدة، إلى تطويع من أجل الفاعلية؛ بمعنى إخضاع العقائد للمصلحة الحزبية أو الحركية، وجعلها "عصا غليظة" تضرب هامات المختلفين والخصوم في آن واحد، ثم إنها تتغير بحسب المراحل والأهداف والظروف، فما يمكن أن يكون اليوم من الثوابت، يصبح غدا من المتغيرات، خضوعا لمصلحة الحزب أو الحركة، ولذا ينتفي المبدأ، وتصبح الجناية على الاعتقاد جناية مركبة سببها أمران هما: التشويه من أجل السياسة، والاستخدام من أجلها أيضا.

هناك فارق كبير بين استخدام الدين في السياسة، وبين الاهتداء به؛ فاستخدام الدين سياسيا يعني تطويعه بالقوة لخدمتها، وتلك قمة الامتهان للمقدس، وقمة عدم المبالاة بما وقر في نفوس المؤمنين، إذ يؤدي ذلك إلى بـ"الأتباع" دفعا نحو "الأتون"، منطلقين من أنهم على الحق الأبلج، بينما الحق أنه لا حق في السياسة أصلا.

أما الاهتداء بالدين في الممارسة السياسية، فهو حرص بدهي فطري على التوافق مع مبادئه العامة، وعلى عدم التصادم مع ثوابته الثابتة، وهو لا ينجح في كل المواقف والأزمنة لأن للسياسة ضروراتها.

لا خلاصة للقول في هذا، إلا أن "التحزبات المؤدلجة" انحراف، ودليل ذلك نتائجها الكارثية عبر التاريخ، منذ الإرث الأفلاطوني، حتى التجربة الماركسية، ونقد "مانهايم" لها، وما يمكن أن تؤدي إليه وقد أدت، إلى "الإسلام السياسي"، الذي تحول إلى ظلم فادح، ومصادرة جهرية، لا تتفقان وروح الإسلام.

إن الإيمان بالإنسان إنسانا، "ترياق" مقاوم للانجراف في أي "تيار" مهما كان مغريا، لأنه لا "تيار" بلا "أدلوجة"، ولا "أدلوجة" بلا تزييف وظلم وحنق وتصنيف وعداوات وتعديات.