رغم مرور أيام على الهجوم الفظيع بالأسلحة الكيماوية في سورية، والذي أدى إلى مقتل أكثر من 3000 شخص وإصابة كثيرين آخرين ونقلهم إلى المستشفيات، لم يتضح بعد بدقة ما هي ردة فعل المجتمع الدولي تجاه ذلك.

الثوار يتهمون نظام الرئيس الأسد بالقيام بالهجوم، ونظام الأسد يتهم الثوار بتنفيذه، فيما لا يزال المفتشون الدوليون يبحثون عن أدلة على الأرض على حدوث الهجوم. الرئيس أوباما قال يوما إن استخدام الأسلحة الكيماوية "خط أحمر" وهو يتعرض حاليا لضغوط كبيرة لتنفيذ وعوده ومواجهة النظام السوري المتهم بالهجوم.

إذا أثبتت الأمم المتحدة أن الجيش النظامي استخدم الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين وانتهك بذلك القانون الدولي، فما هي الخيارات المتاحة في الواقع أمام الولايات المتحدة؟

روسيا حذرت الولايات المتحدة وحلفاءها من نتائج خطيرة إذا هاجموا سورية. في نفس الوقت، بدون قرار من مجلس الأمن يسمح باستخدام القوة ضد سورية، من الصعب على الولايات المتحدة مهاجمة سورية وحدها وإقناع الرأي العام في الولايات المتحدة بضرورة ذلك الأمر.

ولكن حتى لو وجد البيت الأبيض مبررات كافية للقيام بالهجوم على سورية، فإن السؤال هو: ما هي طبيعة الهجوم وما هي حدوده وأهدافه الحقيقية؟

ربما كان السيناريو الأرجح الذي يحفظ ماء وجه الإدارة الأميركية والرئيس أوباما هو جعل الهجوم على سورية يبدو أمرا محتوما لا يمكن تجنبه. وفي جميع الأحوال، علينا ألا نتوقع ضربة عسكرية كبيرة أو أياما طويلة من الحرب والقصف. ربما تقوم الولايات المتحدة بضربات صاروخية ضد بعض النقاط المهمة مثل مستودعات الأسلحة الكيماوية أو صواريخ S300 المضادة للطائرات -في حال وجودها لدى سورية- على سبيل المثال. هذه الضربة "الخفيفة" ستسهم في استعادة مصداقية الرئيس أوباما وستبعث رسالة هامة بأن الولايات المتحدة لن تتردد في العمل بدون قرار دولي ضد بشار الأسد أو غيره إذا وجدت ذلك ضروريا.

الولايات المتحدة لا تستطيع أن تشن حربا كبيرة ضد سورية لسبب بسيط، وهو أن مثل هذه الحرب قد تهدد المصالح الإسرائيلية. إذا شعر الأسد أن الهدف هو الإطاحة به بالقوة فلن يكون لديه ما يخسره وقد يبادر بشن هجوم على إسرائيل عبر الجولان الذي تحتله إسرائيل منذ 1967. الأسد يعرف كيف يفكر الأميركيون وأنهم لا يريدون التورط بالدخول إلى الأراضي السورية، بالإضافة إلى اعتماده على روسيا والصين اللتين تدعمانه في مجلس الأمن. كما أن القيام بهجوم واسع سيؤدي إلى مواجهة مع حزب الله اللبناني بحيث تكون المعركة على أكثر من جبهة تشمل سورية ولبنان على الأقل. وفي هذه الحالة، سيكون الرد الأكثر احتمالا هو قيام حزب الله بقصف إسرائيل بعشرات الصواريخ، وهذا ما لا تريده واشنطن أيضا. إن نتائج أي هجوم كبير على سورية ستكون أكثر تعقيدا مما حدث في ليبيا مثلا، الأمر الذي سيجعل إيجاد حل للأزمة السورية أمرا بالغ الصعوبة والتعقيد.

من ناحية ثانية، القيام بهجوم يستهدف مواقع قليلة وغير أساسية لن يحول في الغالب ميزان القوى لمصلحة قوات المعارضة المسلحة. لذلك، حتى لو وقع هجوم على سورية، يبدو أن الوضع الراهن لن يتغير، وأن ما سيؤدي إليه الهجوم لن يتعدى وقوع مزيد من الضحايا ونزوح مزيد من اللاجئين عن ديارهم.

منذ أن أصبح حسن روحاني رئيسا للجمهورية الإسلامية الإيرانية، لم نسمع شيئا في مواقفه وتصريحاته أو من أي من أعضاء حكومته ما يشير إلى تغير موقف إيران تجاه النظام السوري، رغم إدانة إيران للهجوم بالأسلحة الكيماوية قرب دمشق. روحاني أشار بوضوح إلى أن إيران كانت ضحية لاستخدام الأسلحة الكيماوية خلال الحرب العراقية-الإيرانية وأن الحكومة الإيرانية تدين استخدام هذه الأسلحة المحرمة دوليا، إلا أنه لم يوجه الاتهام المباشر إلى أي جهة بخصوص استخدامه. إن الاستمرار في تأييد الأسد والبقاء بعيدا عن المشاكل في نفس الوقت يتطلب دبلوماسية محنكة، ويبدو أن روحاني حتى الآن يعرف كيف يلعب هذه الورقة. هناك علاقات وثيقة تربط بين سورية وإيران، وتغير الحكومات في طهران لا يعني بالضرورة تغييرا حاسما في السياسة الخارجية تجاه دمشق. ولكن يمكن القول إن الدبلوماسية التي تتمتع بها الحكومة الإيرانية الحالية حلت محل ردود الفعل العاطفية التي كانت تتميز بها الحكومة الماضية. زيارة معاون الأمين العام للأمم المتحدة فيلتمان لطهران مؤخرا لها أكثر من مدلول سياسي. الأسابيع القليلة القادمة ستحمل معها المزيد من النشاط لفريق السياسة الخارجية الإيرانية الجديد على الأغلب، خاصة خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك سبتمبر القادم. وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف سيغادر قبل أسبوع من بدء الاجتماعات من أجل اللقاءات الوزارية، ومن ثم سيذهب الدكتور حسن روحاني لحضور افتتاح اجتماعات الجمعية العامة مع باقي رؤساء الدول والحكومات لمناقشة منع انتشار الأسلحة النووية. هناك فرصة كبيرة لخروج إيران من مأزق الأزمة السورية.

تمر المنطقة بشكل خاص والعالم بشكل عام بظروف حساسة وخطيرة للغاية، وسيكون شهر سبتمبر حاسما على الأغلب بالنسبة لإيران وسورية والولايات المتحدة.