الخطاب العربي الحالي أوغل في استخدام الطائفية بشكل لم يجد معه الفرد مناصا من التسلح بها لمواجهة الحياة وتكتلاتها المزعومة، وأصبح الإنسان العربي رهن الانتماء المذهبي والحزبي، يقاتل من أجله ويسكب له الدماء في الميادين.

وفي الوقت الذي كان فيه الإنسان العربي يتوقع أن تحمل له رياح التغيير المصاحبة للثورات قيم الحرية والمساواة والعدل، بات محاصرا بقيم الكره والرفض والإقصاء تحت ذرائع الانتماء للعرق والطائفة، وهو ما تسبب في حرق أوروبا إبان العصور الوسطى، ونحن نستعيد التاريخ.

فتحت الثورات العربية بابا واسعا للانتماء المذهبي والإيدولوجي، استطاعت أن تلج منه قوى خارجية وداخلية، لتفكك ما تبقى من انتماء للدين الكبير والعروبة، وتعاظم الخطب حتى صارت القاعدة السائدة بين العارفين قبل العوام، أن السني عدو الشيعي، والسلفي شوكة نحر الإخواني، وهكذا دواليك.

حسنا سنقول إن العلويين يقتلون السنة في سورية، وسنقتنع بأن الحرب الدائرة هي حرب طائفية محضة، لكن الحقيقة التي نغفل عنها دائما هي أنها ثورة ضد حكم الاستبداد يشارك فيها الأحرار من السنة والشيعة والأكراد والمسيحيين وغيرهم، وقد امتلأت المناطق الحدودية بالنازحين من جميع المذاهب والملل.

وفي مصر أخذت الدولة المدنية تتوارى شيئا فشيئا بعد أن ركب القوم خيل التحزب، وكل راح يجرب فروسيته على الآخر، وخلال برهة من الزمن انشق الشعب المصري، الذي خرج بصوت واحد في 25 يناير، إلى حزبين، وانشق معه العرب جميعهم، وتراجعت حصة الإنسان كونه إنسانا فقط.

إذا استمر الحال على هذا المنوال فنحن في طريقنا للتفتت والتقسيم، ولعل خارطة الشرق الأوسط الكبير، التي وضعتها طيبة الذكر كونداليزا رايس قبل 10 أعوام، في طريقها للتطبيق، إن لم تكن طبقت أصلا ولم يبق سوى ترسيم الحدود.