التفت الانتفاضة السورية في البداية حول تيارين رئيسين: تيار علماني يتكون من منابر سياسية عامة أطلقها مثقفون مهنيون ورجال أعمال مستقلون، مثل "ربيع دمشق" ومنبر "إعلان دمشق"؛ وتيار إسلامي يتمثل بجماعة الإخوان المسلمين. لكن أياً من هذه القوى لم يكن قادراً على مواجهة المهمة الناشئة. تقول دراسة نشرتها مؤخراً مؤسسة "كارنيجي" للأبحاث إن المنابر العامة كانت تفتقر إلى التنظيم السياسي للقيام بدور قيادي في المواجهة التي وقعت في 2011. أما جماعة الإخوان المسلمين، فرغم أنها احتفظت بجزء كبير من هيكلها التنظيمي وخبرتها، إلا أنها كانت تقيم في المنفى حصراً وتعاني من الشيخوخة.

وظهر مرشّحون محتملون آخرون لقيادة المعارضة بعد بدء الانتفاضة، مثل هيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديموقراطي بزعامة حسن عبدالعظيم، التي شُكِّلت في سبتمبر 2011 من 13 حزباً ذات توجهات يسارية وأربعة أحزاب كردية وعدد من الشخصيات المستقلة والناشطين الشباب.

المجلس الوطني السوري

أُنشئ المجلس الوطني السوري في إسطنبول في 2 أكتوبر 2011، وتشكَّل من الموقِّعين على إعلان دمشق والإخوان المسلمين في سورية، وفصائل كردية مختلفة، وممثِّلين عن لجان التنسيق المحلية، وأحزاب سياسية ومنتديات أخرى بما في ذلك ربيع دمشق والكتلة الوطنية. لكن المجلس كان يفتقر إلى استراتيجية مدروسة لهزيمة نظام الأسد ومعالجة الأزمة الإنسانية وتوفير إطار بديل للحُكم، واستثمر جُلَّ طاقته السياسية في الحصول على الاعتراف به ممثلاً للمعارضة.

وأوضح المجتمع الدولي منذ البداية أنه لن يتدخل بشكل مباشر في سورية. وكشف الرئيس السابق للمجلس الوطني، برهان غليون في فبراير 2013 أن بعض أعضاء المكتب التنفيذي للمجلس الوطني عارضوا الحديث عن تدخُّل "لعدم خلق أوهام حول أمر لن يتحقق في المدى المنظور. لكن غليون وعبدالباسط سيدا وجورج صبرا استمروا في الدعوة إلى التدخّل طيلة 2012 وفي 2013. وقد قدمت مجموعة أصدقاء سورية وعداً بتوفير التمويل إذا تمكَّن المجلس الوطني من توحيد الثوار في قيادة واحدة. وفي مسعى إلى تحقيق هذا الهدف، أعلن غليون في 1 مارس 2012 عن إنشاء مكتب عسكري داخل المجلس الوطني لدعم الجيش الحُر والإشراف عليه. كان المكتب، الذي لم يعمل أبداً، الأول ضمن سلسلة من القيادات "المشتركة" التي أُعلِن عنها من جانب مجموعة أو أخرى من ألوية وكتائب الجيش الحُر والمجالس العسكرية والجماعات الإسلامية أو المستقِلَّة. وكانت الرغبة في استقطاب التمويل الخارجي والتسليح هي العامل الذي يحرّكها كلها.

في 31 أكتوبر 2012، صرّحت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بأنه "لم يعُد من الممكن النظر إلى المجلس الوطني السوري على أنه القيادة الظاهرة للمعارضة". وبحلول ذلك الوقت، كانت الولايات المتحدة وقطر مصمّمتان على تشكيل هيكل جديد يوفِّر قدراً أكبر من التمثيل للحراك الثوري ومجالس المدن. وهكذا ولِد الائتلاف الوطني.

الائتلاف الوطني

يدّعي الائتلاف الوطني أنه يُمثِّل المعارضة السورية بشكل أوسع من المجلس الوطني، لكن في ذلك الادعاء بعض المبالغة. الأعضاء الحاليون أو السابقون في المجلس الوطني يشكلون حوالي نصف أعضاء الائتلاف الوطني، ويقوم الفصيل الأساس فيه، جماعة الإخوان المسلمين، بدور قيادي في شؤون الائتلاف الوطني، يتبعه التجمُّع الرئيس الآخر في المجلس الوطني، الكتلة الوطنية. وقد أبرز ذلك عدم الكفاءة السياسية والضعف التنظيمي لغالبية أعضاء الائتلاف الآخرين.

بدأت هجمات المعارضة على المدن في يوليو 2012. وقد نجت المنطقة الصناعية في حلب من عمليات قصف النظام، ولكن تم تجريد مصانع بأكملها أو تفكيكها عندما اجتاحتها مجموعات الثوار بعد ذلك. ووفقاً لتقييم تم تقديمه إلى وزارة الخارجية الأميركية من مصادر سورية تعمل مع الجيش السوري الحُر في مطلع يناير 2013، فإن "هناك المئات من المجموعات الصغيرة تنتشر في جميع أنحاء منطقة حلب... لقد تحوّل الجيش السوري الحُر إلى جماعات متمردة غير منظمة، تخترقها أعداد كبيرة من المجرمين". وأوضح التقييم أن "انتهاكات المتمردين أصبحت ظاهرة طبيعية يومية، وخاصة ضد المدنيين، بما في ذلك نهب المصانع العامة والخاصة والمستودعات والمنازل والسيارات". وقد اعترضت جبهة علماء حلب، في يناير 2013، على "الاستيلاء على المخزون الاستراتيجي من القمح والسكر والقطن والنفط والاحتياجات الأساسية للناس"، الذي بيع جزء منه عبر الحدود في تركيا بأسعار بخسة. وقد عزا ناشطون نزوح المدنيين من مناطق محررة معينة إلى أعمال السرقة وانتزاع الأرباح الاستغلالية من جانب الثوار، لا إلى الأعمال القتالية أو الظروف الإنسانية الصعبة.

كما أقرَّ رئيس الائتلاف، معاذ الخطيب، بالفعل بتردي الأوضاع والفوضى الأمنية في المناطق في مناسبات عدة. ففي يناير 2013، أشار إلى "أن كثيراً من مواد الإغاثة قد سُرقت أو نُهبت من قبل عصابات تستغلّ الانفلات الأمني، وأصبح كثير من حقول النفط في قبضة مجموعات مُسلحة، بعضها يحميها وبعضها يسرقها".

ماذا بعد الائتلاف الوطني؟

لم يتمكّن الائتلاف الوطني من انتزاع زمام المبادرة السياسية والدبلوماسية أو توجيه التعبئة الجماهيرية والثورة المسلّحة داخل سورية، كما يتوجَّب عليه إذا أراد أن يمارس القيادة. والسؤال الآن هو "ماذا بعد الائتلاف الوطني؟"

ينبغي على الائتلاف الوطني أن يتكيف مع هذا المسار المؤلم والصعب قبل أن تُدمَّر الدولة والبنية التحتية السورية على نحو غير قابل للإصلاح. وعليه أن يعترف أيضاً بمجالس المحافظات داخل سورية كشريك في القيادة السياسية ويسعى إلى تمكينها ومنحها امتيازات للقيام بهذا الدور.