في الوطن العربي كانت السياسة سابقا توجه الإعلام نحو حدث معين أو قضايا بعينها. لكن الربيع العربي أحدث تحولا كبيرا في هذه المعادلة التي ظلت ثابتة عربيا. من يستطيع أن ينكر دور الإعلام في أحداث الربيع العربي، خاصة الفضائيات، بالرغم من كل ما يحاك حولها من فرضيات الأهداف والأجندات الخاصة، التي قد تستغل أو توجه مسار الأحداث المتغيرة والمصاحبة للثورات في كل من تونس ومصر وسورية واليمن وليبيا..

على سبيل المثال، قبل عامين، تشعر أن كل شاشات القنوات الفضائية قد تسمرت في ميدان التحرير، لتراها بعد سقوط مبارك في طرابلس وسائر المدن الليبية، ثم انتقلت بعد سقوط القذافي مباشرة إلى اليمن، ثم إلى مدن وأرياف سورية، ثم عادت إلى اليمن، لتتركه مرة أخرى وتعود إلى سورية لتستقر فيها، ليظن المشاهد أن الشاشات لن تغادر درعا وحلب ودمشق وحمص، وإذا بها تنتقل فجأة إلى المشهد الانتخابي المصري وأزمة الدستور وما صاحبها من أحداث، ثم تعود مجددا إلى سورية لتتابع مشاهد القصف والدمار، وما يستلزمه من تحليل وآراء ورصد ردود الفعل تجاه ما يحدث.. وفجأة تنحرف الكاميرا إلى العراق لتغطية مظاهرات أو تفجيرات في عدة محافظات، سنية أو شيعية.. ثم تعود الكاميرا مجددا إلى سورية، ثم إلى لبنان لبرهة قصيرة، وفجأة تنتقل إلى مصر لتغطية الثورة المضادة للإخوان في 30 يونيو.. تنحرف قليلا إلى ساحة باردو في تونس، ثم ما تلبث أن تعود مجددا إلى سورية.. ناهيك عن القنوات الخاصة في كل بلد من بلدان الربيع، وثورة التواصل بفضل العولمة، ونشر كل ما يحدث في الداخل، وانسحاب بعض المشاهد المصورة على وسائل الإعلام الخارجية، وتأثيرها في المشهد السياسي في بعض الدول. وعلى كل حال، فإن جدلية التأثير المتبادل بين الإعلام والسياسة ستظل موجودة، لكن الأهم هو أن الإعلام العربي بدأ ينحو تدريجيا نحو الاستقلال.

الخلاصة: أجزم أن دولاً عدة بما فيها الدول التي تمر بمخاضات سياسية، قد أجلت داخلها مشاريع سياسية عدة بسبب اختطاف حدث سياسي آخر في بلد آخر للعدسة الإعلامية إيماناً بأهمية الإعلام في المشهد السياسي الحالي.