لم يكن المؤتمر الصحفي الذي عقده مساء أول من أمس الأربعاء المتحدث باسم وزارة الداخلية اللواء منصور التركي، وما حمله من أرقام مخيفة لعمليات الضبط وإحباط محاولات تهريب المخدرات إلى المملكة، لم تكن سوى أرقام جديدة ووقائع مهمة تثبت بالفعل أن ما يحدث ليس مجرد عمليات تهريب يقوم بها حفنة من المهربين لغرض الربح، بل هي أوسع من ذلك، إنها أشبه ما تكون بحرب منظمة ومعركة حقيقية لها من يقف خلفها، وحتى إن كانت عمليات تهريب المخدرات تتم في كثير من بلدان العالم المحيطة بنا إلا أن الأرقام تثبت بشكل واضح أنها لا تكاد تُقارن بما هو لدينا في المملكة. هناك دول أضخم سكانيا وأكثر في تعداد نسبة الشباب مما هو لدينا في المملكة، بل هناك بلدان يرتفع فيها الدخل المالي لدى مختلف الطبقات الاجتماعية أكثر مما هو لدينا، ومع ذلك فهي لا تشهد ذات الكثافة في تهريب المخدرات على مستوى ضخامة الكميات وعلى مستوى عمليات التهريب.

نحن الآن نقوم بدور إيجابي ومؤثر جدا على المستوى الأمني، بل يمكن القول إن ما تحقق من إنجازات أمنية على هذا الصعيد بات يمثل أبرز وأهم دفاعات الوطن في حربه ضد المخدرات لكن التحدي القائم يتمثل في مواجهة الأسئلة التالية: ما العوامل التي ترتكز عليها عمليات الاستهداف للداخل السعودي في تهريب المخدرات؟ لماذا تختار جهات ومنظمات التهريب للمملكة أكثر من غيرها؟ ما هي المؤشرات التي يتم الاعتماد عليها في تحديد هذا البلد أكثر من غيره؟ في الواقع أنه لا يمكن إغفال عوامل سياسية وعوامل مرتبطة بمحاولة توجيه ضربات داخلية للمجتمع السعودي، لكن هذا لا يغفل أننا بحاجة لبحث مستمر ومحاولة للإجابة عن السؤال التالي: إلى أي درجة يعد وعي مجتمع الشباب لدينا واقعا صلبا ومتماسكا وقادرا على مواجهة مثل هذه الأخطار؟ هل لدى الشاب السعودي في حياته من الثغرات ما يسمح بوقوعه في تلك الأخطاء؟

تقوم الإدارة العامة لمكافحة المخدرات بجهود واسعة على المستوى التوعوي والإرشادي وتتسع تلك الجهود بشكل مستمر لتشمل مختلف الفئات، ومن الأخبار الإيجابية ما تقوم به الإدارة من تعاون مع الجهات التي تضم الشريحة الشابة في الوطن كما في وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي، لكن كل تلك الجهود الإيجابية بحاجة لمزيد من المعايير التي تحدد مدى نجاحها ومدى حاجتها لمزيد من التطوير والمواكبة، هنا تحدث أحيانا بعض الأخطاء في فكرة التجديد والمواكبة فتجدنا منشغلين بالتجديد في الوسائل والأدوات والمنابر دون أن يتضمن ذلك تجديدا في الخطاب.

يقول باولو كويلو الروائي العالمي الشهير: "إن من أبرز العوامل التي تعين على مكافحة المخدرات تتم من خلال أولئك الذين سبق أن وقعوا في الإدمان، إن معرفتهم بها حقيقية وليست مجرد معرفة نظرية".. إننا حين نقدم التائبين من المخدرات أو المتعافين من تعاطيها نقدمهم بصورة التائب المنكسر الذي تحول إلى شخصية ملتزمة فجأة، لكننا لا نقدمه بصورة المنعتق من الظلام والذاهب إلى النور، وفي هذا الجانب يقول أيضا باولو كويلو: "إن أهم ما يجب استخدامه في التوعية عن المخدرات هي الفكرة التالية: إنك حين تدمن المخدرات فأنت تفقد قدرتك على الاختيار".

هذه ليست سوى جزئية يسيرة يمكن أن نستفيد منها في فكرة جديدة عن التوعية الحقيقية المؤثرة دون التكرار والبقاء في دائرة الوعظ والتهديد والتخويف، وحتى عندما يتم استعراض نتائج المتعافين يجب التركيز على جوانب الخسران الذي تعرضت له حياتهم.

في الواقع أن الشاب السعودي أكثر فراغا من غيره، فحياته الاجتماعية تكاد تكون محصورة في بعض الجوانب التي لا تغطي كل أوقاته، إن اللجوء للاستراحات أو الجلسات الخاصة ليس سوى محاولة للتعويض عن غياب جوانب عامة ومنظمة يمكن أن تملأ حياة الشاب، إن الترفيه والاستمتاع يعد جزءا مهما وحيويا في حياة الشباب، وما لم يجد ذلك واقعا اجتماعيا معلنا فسوف يتجه هو لابتكار وسائل وسبل الترفيه الخاصة به، والتي غالبا ما تكون خاصة ومغلقة وهو ما يجعلها أكثر عرضة للوقوع في الأخطاء.

إننا وبإزاء هذه الإنجازات الأمنية الواسعة في مكافحة المخدرات نحتاج فعلا إلى إنجازات على مستوى صناعة الوعي الحقيقي والقادر على مواجهة هذه القضية، ليست القضية في ألا يجد الشاب ما يتعاطاه من الممنوعات، لكن القضية أن يكون لديه في شخصيته ما يرفض أصلا مثل هذه الأخطاء، وما يجعله يقف في مواجهتها.