شعوران انتاباني، وبالتأكيد انتابا كل من اطلع على تقرير وزارة الداخلية عن العملية الموفقة والكبيرة التي أدت إلى ضبط كميات هائلة من المخدرات.. هائلة في كميتها وهائلة في نوعيتها وهائلة في أعداد من لهم علاقة بها والمبالغ المضبوطة معهم.. الشعور الأول؛ التقدير والعرفان لوزارة الداخلية على هذا الإنجاز الكبير والعظيم الذي لولا توفيق الله ثم ضبط هذه الكميات لكانت هناك نتائج وخيمة على شبابنا ومجتمعنا وأمننا ومستقبلنا الذي يتوقف بعد الله على عقول هؤلاء الشباب الذين يتوقف عليهم بعد الله مستقبلنا، والتي كانت ستدمرها هذه الآفة اللعينة التي ابتلي بها العالم بأسره..

والشعور الثاني؛ الفرحة بإنجاز وزارة الداخلية لهذا العمل العظيم في نوعه ونجاحها الكبير الذي يجب على كل مواطن أن يثمنه.. ليس هذا فقط بل الوقوف وراء هذه الوزارة بكل ما نستطيع لدعم جهودها في الحفاظ على أمننا بعد الله سبحانه وتعالى.. وأتساءل هنا، ويتساءل معي الكثيرون: لو قدر الله ومرت هذه الكميات الكبيرة جداً من المخدرات إلى مجتمعنا ودخلت عقول شبابنا وأصابتهم بالإدمان فكيف ستكون النتيجة؟

التقرير يشير أيضاً إلى ضبط أكثر من 14 مليون ريال مع المروجين، وهذا دليل على دخول كميات من المخدرات.. هذا صحيح.. والمطلوب هنا أمران: الأول؛ يتعلق بنا نحن الآباء والأمهات أن نراقب سلوك أولادنا وكل من حولنا ونتعاون مع الجهات المختصة في سبيل القضاء على هذه الآفة.. وسبب دخول كميات من المخدرات يعود إلى الحيل الشيطانية التي قد لا تخطر على بال أحد.. وهذا يتم حتى في أكثر الدول تقدماً وحزماً مع ما نعرفه من دقة متناهية في إجراءات دخول البضائع إليها.. والأمر الثاني المطلوب؛ هو من الجهة المختصة في هذا الجانب ـ مع ما نعرفه من نجاح لجهودها ـ وهو محاولة الكشف عن الموزعين والمستخدمين بأي شكل من الأشكال..حتى لو أدى الأمر إلى دخول المدارس والجامعات وعمل اختبارات بطرق لا تخدش كبرياءهم كأن يطلب منهم كمية من التحاليل للوقوف على وضعهم الصحي، ومن ضمن تلك التحاليل الاستخدام..

العملية الكبيرة والشجاعة التي قامت بها وزارة الداخلية هي رسالة بالغة الوضوح ورسالة بالغة القوة للمروجين بأن عقول شبابا ليست للبيع أو التلاعب.. وأننا من اليقظة والحزم بالدرجة التي تقف بصلابة وبذكاء وبشكل مستمر في وجه هؤلاء المجرمين، ليعرف هؤلاء أن أغلى وأنفس ثروة نملكها وأنفس وأغلى ثروة يملكها الوطن هي شبابه.. وغني عن القول إن التعامل مع من أصابهم هذا البلاء بالاستخدام، أن نتعامل معهم على أنهم مغلوبون على أمرهم، وأفضل إنجاز يعتز به الوطن أن نعيد هؤلاء ليكونوا مواطنين صالحين وثروة تضاف إلى ثروتنا من الشباب السوي وأن نحوِّل هؤلاء إلى ثروة منتجة ومواطنين صالحين منتجين يعملون لخدمة بلادهم.. إن أسوأ كارثة تحل بالوطن وتحل بالعائلة وتحل بالمجتمع هي مواطنون سلبيون وذرية غير منتجة، ولا أقول فاسدة، لأن هؤلاء تعرضوا للظلم ممن عمل على غوايتهم ونجح في أن يكون سبباً في مرضهم ووقوعهم في هذا الشرك الخبيث. يجب أن ننظر إلى شبابنا وأبنائنا، كوطن وكمجتمع وكعائلة، على أنهم أنفس وأغلى ثروة نمتلكها، ولهذا لا يجوز أن ننبذ من وقع في شرك هذه الآفة فهم في أشد الحاجة إلينا، يجب أن نلتفت إليهم وهم يسبحون في هذا الوحل لنخرجهم منه.. إن تغيير نظرتنا من سلبية إلى إيجابية نحو الذين قدّر عليهم الوقوع في حبائل المخدرات، يجعلنا قريبين منهم ويجعلهم يثقون بنا.. بأننا أولاً لا نلومهم فيما قدر الله عليهم، ثم إننا نحبهم كمواطنين وأفراد مجتمع وأقرباء، ولهذا نريد أن نساعدهم في الخلاص مما هم فيه، عندها سيقتربون منا وننجح في تخليصهم مما هم فيه. هذا الأمر يحتاج إلى جهد كبير من كافة مؤسسات المجتمع كي تصل الرسالة واضحة وبصوت مسموع إلى المستهدفين، ونحتاج إلى وقت وجهد حتى ننجح في إقناعهم، ونحتاج إلى نجاحات صغيرة في هذا العمل العظيم حتى نستخدم تلك النجاحات، أولاً كأمثلة لما كانوا عليه وكيف أصبحوا. وثانياً حتى نقنع الآخرين أن الهدف ليس اصطيادهم كما سيتبادر إلى أذهانهم، وأن رفاقهم لم يصابوا بأذى، بل تحولوا من سلبيين يحتاجون إلى مساعدة، وكانوا عبئاً على بلادهم ومجتمعهم وأهلهم، إلى أفراد منتجين إيجابيين يسهمون في خدمة وطنهم، وأصبحوا مصدر فخر له. لا بد أن تصل هذه الرسالة أيضاً بوضوح تام وبصوت عال إلى مجتمعنا لنكون يدا واحدة نتعاون على تخليصهم من معاناتهم وتحوليهم من أفراد عالة على عوائلهم ومجتمعهم ووطنهم إلى أفراد منتجين ومواطنين صالحين ومصدر فخر لعوائلهم ومجتمعهم ووطنهم.

المجتمع العادل المنصف الواعي هو الذي يحاول بكل ما يستطيع أن يضع كل فرد فيه في قطار المواطنة الصالحة ليكون إيجابياً منتجاً، وإذا لم يكن كذلك يتعرف على الأسباب، مهما كانت، دون تشنج أو انفعال، ويعمل على التعامل مع تلك الأسباب.

أعرف أننا جميعاً سنشعر أن أفظع كارثة تحل بنا إذا عرفنا أن أحد أفراد عائلته يسقط في هذا الوحل.. أعرف جيداً أن هناك عائلات تعاني من بعض أفرادها.. وأقول هذه ليست مشكلة العائلات فقط، إنها مشكلة وطن يعاني من فقدان بعض أفراده الذين يفترض أن يكونوا منتجين إيجابيين. ومشكلة مجتمع له نظرة سلبية تجاه المتعاطين. ونظرة عائلة حلت بها كارثة ويجب أن تتم مساعدتها للتخلص من كارثتها..

وخلاصة القول، نحن كمواطنين في هذا البلد العظيم نتوجه بالشكر والعرفان والتقدير لجهد وزارة الداخلية.. وأقول بكل أمانة إننا كمواطنين في هذا لبلد الكريم نتحمل مسؤولية كبيرة في الوقوف بجانب المسؤولين كل بما يستطيع لدعم جهودهم في الحفاظ على بلادنا وأمنها واستقرارها وتقدمها ..المخدرات آفة يجب أن نشترك جميعاً لمحاربتها.. آن الأوان أن تتضافر جهودنا كمجتمع: الجهات الرسمية والعائلات لتخليص أبنائنا مما هم فيه، لتغيير وضعهم من مرضى سلبيين إلى أسوياء صالحين. وأولى الخطوات أن نبدل نظرتنا نحوهم واعتبارهم مرضى يحتاجون إلى المساعدة، لا مجرمين لا بد من عقابهم. وخلاصة الخلاصة، وفق الله جهودنا جميعا لنعمل كلحمة واحدة لخدمة وطننا والحفاظ عليه وتقدمه.. ومرة ومرات: شكراً وزارة الداخلية.