المتأمل في حال المسلمين في الكثير من البلدان الإسلامية اليوم، بكل تجرد وحيادية، يجد واقعا مريرا وحقائق مؤلمة، تتمثل في أننا معشر المسلمين في صراع دائم مع بعضنا ومع أنفسنا، نقتتل ونكفّر بعضنا ونعتقد أن بعضنا أشد عداوة لنا من اليهود والنصارى، مغرمون بالطائفية وغارقون في الصراعات الأيديولوجية والمذهبية، وكل فرقة تعتقد أن عليها التخلص من الفرق الأخرى بدلا من التعايش معها قبل التفرغ للعدو الحقيقي الذي سوف نتفرغ له ذات يوم إن بقي منا أحد.

المتأمل في أوضاعنا سيجد أقواما غاضبين على كل من حولهم، غارقين في خرافة المؤامرة، يعتقدون أن العالم يتآمر عليهم، يكفر بعضنا بعضا ونقتتل ثم نبتهل إلى الله بإهلاك أعدائنا لأنهم هم الذين أوصلونا إلى هذا الوضع، رغم أنه لا أحد من هؤلاء الأعداء وضع أيدينا على الزناد بالقوة الجبرية، وأجبرنا على إطلاق النار على مسلمين آخرين.

ورغم أن ما فعلناه بأنفسنا يفوق ما أصابنا من قبل أعدائنا. فالكثير من المسلمين هلكوا على يد مسلمين آخرين وربما يفوق من تم قتلهم من قبل غير المسلمين بكثير.

معظمنا في حديث دائم عن أشباح ومؤامرات لا وجود لها، ونتوهم أننا محاربون في كل شيء وعلى كل المستويات، ولم نترك في حالنا، ونتناسى قوله تعالى: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير".

بعضنا يعتقد أن كل من حولنا من الأمم لا هم لهم إلا مطاردتنا وإلحاق الضرر بنا، وأنهم هم السبب في قتل بعضنا لبعض، وقد يكون ذلك حيلة نفسية لعدم تقبل هذا الواقع المرير، وبعد كل ذلك نستعين بهم لتخليصنا من شرور بعضنا وبعد انتهاء مهمتهم ندعو عليهم بالهلاك والفناء.

هذا الواقع ليس وليد العصر؛ فالمسلمون على ذلك منذ معركة الجمل المشؤومة التي اقتتل فيها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسفرت عن قتل آلاف من خيار الصحابة وحفظة القرآن، مرورا بمعركة صفين عندما انقسم المسلمون على أنفسهم يقتل بعضهم بعضا، وما تلا ذلك من مذابح للمسلمين على يد مسلمين آخرين.

الاستبداد وقتل المخالف والانفراد بالسلطة كانت عوامل مشتركة منذ انتهاء دولة الخلفاء الراشدين، ومن يقرأ التاريخ سوف يصاب بصدمة عنيفة من درجة الاستبداد الذي وصل إلى درجة لا يمكن تصديقها، ولعل أبسط أمثلتها ـ رغم كثرتها ـ خطبة الحجاج في مسجد الكوفة عندما طلب من المصلين أن يخرجوا من باب واحد وأمر بقتل كل من يخرج مع الأبواب الأخرى، ليس لأنه مرتد عن الإسلام ولكن لأنه خالف أمر الحجاج.

ولم يتغير الوضع كثيرا في عهد العباسيين الذين افتتحوا خلافتهم بمذابح تاريخية للأمويين وأتباعهم حتى إن القائد العباسي عبدالله بن علي أمر بالموائد أن تقدم فوق أشلاء الموتى من خصومه من أهل الشام. ولم يتغير الحال كثيرا في عصرنا الحاضر فمن يتابع الأخبار سيجد أن القاتل والمقتول فيها معظمهم من المسلمين مع الأسف الشديد.

تاريخ طويل حافل بالفتن والاقتتال وتوظيف الدين لخدمة السياسة والتعصب المذهبي والطائفي في مشاهد ومواقف البعض منها لا يخلو من البشاعة، مما حفظته لنا كتب التاريخ التي أوردت لنا الجانب المشرق من حضارتنا، ولكنها تحتوي ـ في الوقت نفسه ـ على جانب مؤلم يجب علينا نقده بكل حيادية، لأنه لا يزال يحكم واقعنا ويؤثر في مواقفنا من بعضنا البعض.

يجب علينا التخلص من بعض الأوهام التي تحكم حاضرنا واستبدالها بصدق مع أنفسنا وبرؤية واقعية لا تحجب عن أعيننا رؤية حالنا بشكل سليم. فاستمرار واقعنا بهذا الوضع دون تغيير ما بأنفسنا أولا ثم تغيير واقعنا كفيل بنشر الفوضى وفقدان الأمل لدى الأجيال القادمة، وسوف يسهم في تنشئة أجيال تحمل نفسيات مثقلة بأزمات الماضي.