ترى تهاني أن ما يحصل اليوم تجاوز الوصف، فهي متزوجة من رجل دخله الشهري جيد، ولكن منذ ثلاث سنوات توقف عن الإنفاق على الأسرة، متحججا بوضعه المادي المتردي الذي يمنعه ـ كما يقول ـ عن الصرف على منزله و أولاده، فأصبحت تنفق على نفسها وأولادها من حسابها الخاص. تقول: إنها أجبرت على تقبل وضعها الراهن حفاظا على أبنائها التي تخشى أن يكونوا ضحية الطلاق، مشيرة إلى أنها ليست الوحيدة التي تعيش هذه المشكلة، فالكثيرات ممن تعرفهن يعانين من نفس الأمر، ومنهن من اختارت الانفصال على الاستمرار في هذا الوضع المقلوب فطريا ومجتمعيا.

الرجل والمرأة أساس تكوين الأسرة، ولكل منهما "دور"، ولكنهما في النهاية يتكاملان، ويعملان نحو هدف رئيس واحد، وهو سعادة العائلة، غير أنه في بعض الأحيان تنقلب الموازين، وتتبدل معها الأدوار.

محمد أسعد الحربي، لا يرى إشكالا في أن تقوم المرأة بمساعدة زوجها، خصوصا إذا كانت مقتدرة، أو ذات دخل جيد، يقول: "مشاركة الزوجين في الإنفاق من الأمور البديهية، فهي من باب التعاون على البر والتقوى الذي أمر الله به، ومن الخصال التي تطلب المرأة من أجلها المال".

أما رغد محمد فجاء رأيها مخالفا، حيث قالت: "في هذا الزمن تتحمل المرأة مسؤوليات كثيرة، تتعارض مع طبيعتها وتكوينها الجسدي والنفسي، ففي بعض الأحيان تتكفل بإعالة الأسرة بدلا من الرجل الذي يكون أحيانا جليسا في البيت، أو عاطلا عن العمل". وألقت اللوم في هذه الحالة على الزوجة التي تعطي مجالا للرجل بأن يكون "رجل بيت "ـ حسب قولها ـ، مؤكدة أن هذا نوع من الاستغلال.

ونصحت رغد كل زوجة مستغلة بأن تدافع عن حقوقها، مشيرة إلى أن نموذج المرأة المتنازلة بدأ في التراجع، بزيادة الوعي في المجتمع.

ويعتبر وديع القاضي، وهو اجتماعي، مهتم بشؤون الأسرة أن المسؤوليات العائلية مهمة مشتركة بين الرجل والمرأة، وقال في حديثه لـ"الوطن": "إن من الخطأ تقسيم الأدوار في العائلة حسب اختلاف الجنسين، فالعلاقة الزوجية أسمى من الأنانية الضيقة، وحساب المكاسب والخسائر، لذلك لا بد من التفاهم بين الطرفين، وحتى لو تبادلا الأدوار فلا ريب في ذلك، فالتعاون والتضحية والتنازلات المشتركة من الضروريات لاستمرار العلاقة"، مضيفا أن التوافق المادي والاجتماعي بين الأزواج ضرورة حتمية للحفاظ على الكيانات الزوجية.

وعلى العكس ترى أخصائية علم النفس بجامعة طيبة الدكتورة عهود الرحيلي، أن "ظاهرة تبادل الأدوار بين الرجل والمرأة تخالف الطبيعة التقليدية عبرالتاريخ، وتعكس مفهوم وظيفة الجنسين في الأسرة". وأضافت: "إن هذه الظاهرة لها دوافع تختلف من مجتمع لآخر، أبرزها عدم التكافؤ الاجتماعي، فربما قام الزواج على المصالح، فيتوجه أصحاب الدخل المحدود للزواج من صاحبات الدخل المرتفع، وهذا النوع من الزواج معرض للانهيار في أي وقت".

وقالت الرحيلي: "إن ظاهرة تخلي الرجل عن مسؤولياته كزوج، وأب، وكرجل المنزل تنتشر بين كثير من الأسر في الوقت الحاضر، وهي تشير في الغالب إلى خلل في البناء النفسي للرجل، فقد يكون لديه قصور في النضج الانفعالي، حيث إن من سمات الشخص غير الناضج عدم القدرة على إدراك حاجات الآخرين العاطفية، وبالتالي عدم العمل على إشباعها، بالإضافة إلى عدم النضج الاجتماعي، والذي يتضح في عدم قدرة الرجل على إدراك الواجبات والحقوق ما له وما عليه، والجهل بمعنى الأخذ والعطاء المتبادل في العلاقات الاجتماعية، بالإضافة إلى عدم الإحساس بالمسؤولية، واللامبالاة، والاعتماد على الآخرين".

وأوضحت الدكتورة الرحيلي، أن "الأسباب قد تكون عامة كتغير قيم المجتمع، ومعايير الرجولة فيه، وتغير البناء الاجتماعي للأسرة، واختلاط الأدوار بين الزوجين نتيجة لخروج المرأة للعمل، وأيا كانت الأسباب فإن تخلي الرجل عن مسؤولياته من شأنه التأثير في التوافق الزواجي، وإثارة المشكلات واستمرارها، وعدم إحساس الزوجة بالأمان، وقد تكون نتيجته الانفصال العاطفي، والذي قد يؤدي بدوره إلى الطلاق".