تخيل عندما تكتشف أن بيتك الذي بنيته بتحويشة العمر أو الذي نشأت فيه منذ طفولتك قد تحول إلى "خرابة"، يعني.. هيكل متهالك الجُدر ومهترئ الأسقف. بالتأكيد سوف تسرع في إصلاحه مع أول إشارة خطر ولن تدعه يصل إلى الحالة المرضية كالتي عليها الآن بيوت جدة التاريخية. لكن بالتأكيد سوف تتراجع وتعمل ألف حساب قبل أن تهدر ريالاً واحداً على أجور الترميم عندما تكتشف أنك لست السبب فيما حصل لبيتك، فهو صورة مصغرة لحالة مرضية شملت أغلب بيوت جدة القديمة.
الخراب الذي حل بتراث جدة العمراني هو نتيجة طبيعية لعوامل متراكمة ليس لملاكه يد فيه. بعض أسبابه نابع من داخل البيئة نفسها، كالرطوبة الناتجة عن عدم وجود شبكة صرف صحي، وتسرب المياه من الخزانات الخارجية لعدم وجود شبكة ضخ تلائم بنية المنطقة التاريخية، وأيضاً نتيجة لعمليات البناء داخل جدة الكبرى مما أثر على بنية المنطقة. إضافة إلى ذلك الإهمال وعدم وجود أنظمة حمائية تمنع تحويل المباني إلى محلات تجارية، وتمنع السكن العشوائي والتخزين غير النظامي اللذين أديا إلى نشوب الحرائق فيها.
الغريب في الأمر أننا نسمع بين حين وآخر من يُحمل أصحاب هذه البيوت مسؤولية ترميمها ضمن تطوير منطقة البلد، رغم تردد شائعات استثمارية بتحويلها إلى أبراج لا تلتفت للتاريخ. وبالتأكيد بما أن معظم الملاك لا يقدرون على تحمل المنافسة لصغر مساحة وحداتهم السكنية ولضعف إمكانياتهم، فبالتالي من الإجحاف مطالبتهم بتحمل تكاليف الترميم دون دعمهم ضمن المشروع العام لتطوير منطقة البلد. لذلك إن لم نسرع في تحديد وتوزيع المسؤولية الشاملة وتحديد الرؤية المستقبلية لما نريده لمنطقة جدة التاريخية، فإنني أخشى أننا قد تجاوزنا نصف الطريق إلى سدل الستار على هذا الإرث العمراني الفريد.