الحديث عن السلطة الوظيفية وسوء أو حسن استعمالها لا يخص مجتمعا بعينه أو دولة بذاتها وإنما هي ظاهرة عالمية، فرضت قيام منظمة دولية تعني بالشفافية وتعرف الفاسد بأنه "أساء استغلال السلطة المؤتمنة من أجل المصلحة الشخصية" وتقوم بإصدار تقارير سنوية عن مؤشرات الفساد في كل دولة.

ويتنوع سوء استخدام السلطة الوظيفية بين الاستغلال للمصالح الشخصية، وبين سوء إدارتها عبر الإساءة للموظفين، مما يشكل عائقا كبيرا على أدائهم وكذلك على جودة الخدمة المقدمة، متسببا في النهاية بالإضرار بالمصلحة العامة؛ ولذلك سنت القوانين التي تلاحق المسؤول عند إساءة استخدامه لسلطته الوظيفية، إلا أن عائق الخوف وغياب الرقابة يحولان دون فاعلية تلك القوانين في إيقاف مسلسل استغلال السلطة.

استغلال السلطة

يقول المستشار الإداري رئيس الجمعية السعودية للإدارة بمنطقة نجران الدكتور محمد آل سعد: لا شك أن هناك سوء استغلال للسلطة الوظيفية من قبل بعض، فهناك من يستغل نفوذه لتوظيف أقاربه، وهناك من يستغل مكانته ومركزه الوظيفي لتمرير كثير من التجاوزات في محيطه المعارفي، وهناك من يحاول ابتزاز الموظفين لتنفيذ مآربه وتيسير الأمور كما يريد، وهذه الأمور في مجملها مخالفات يعاقب عليها القانون. وأشار إلى أن كل ما يحصل عليه المسؤول من تسهيلات تتعلق بالمنصب الذي يشغله كالسيارات وغيرها؛ ينبغي ألا يستخدم في الأمور الشخصية، ناهيك عن استخدامها من قبل الأقارب والأصدقاء، وقال "هي بلا شك مخالفة قانونية إن ضبطت".

الدكتاتورية والعقاب

وفي الجانب الآخر من جوانب سوء استخدام السلطة الوظيفية، يؤكد آل سعد أن هناك أنواعا عديدة للإدارة ومن أبرزها "الإدارة الدكتاتورية"، ويقول "إذا انحصر صاحب السلطة داخل هذا النوع من الإدارة طول الوقت فهذا سوف يؤدي إلى خلل كبير في المنظمة وبالتالي سيؤثر سلبا على النتائج المرجوة من تحقيق الأهداف، ومن وجهة نظري أن المدير الناجح هو من يستخدم جميع أنواع الإدارة، لأن العمل يمر بمراحل ووقفات يحتاج معها المدير أن يطبق كل نوع في الموقف الذي يصلح له.

وأضاف: لا بد من وجود الثواب والعقاب في آن واحد، فلا يصح معاقبة الموظف مباشرة دون معرفة أسباب الخطأ الذي وقع فيه، وبالتالي فالأمر هنا يحتاج إلى التدرج في الأسلوب، وقبلها لا بد أن يلفت انتباه العاملين إلى ما سينالهم من ثواب إن هم أحسنوا أداء عملهم قبل إيضاح ما سيحل بهم من عقاب إن هم أخطأوا، ولعل هذا الأسلوب الوقائي أنجح من العقاب بعد حدوث الخطأ. مؤكدا على دور المكافآت في تحفيز الموظف حيث تدفعه إلى بذل مزيد.

الواسطة ليست "شفاعة"

وتبرز الواسطة كأحد مؤشرات سوء استخدام السلطة الوظيفية، حيث تتدخل في كثير من الأحيان لمنح بعض حقوقا وامتيازات لا يستحقونها، فيما تحرم آخرين رغم استحقاقهم، مستندة في معظم حالاتها إلى صلة القرابة أو العلاقات الشخصية التي تربط صاحب السلطة الوظيفية، حيث يستخدمها من باب "الشفاعة الحسنة" كما يصفها؛ إذ يؤكد آل سعد أن الواسطة داء عضال يستخدمها أغلب الناس ويسمونها بمسميات عجيبة منها "الشفاعة" و"فعل الخير للآخرين" لافتا إلى أنها تعتبر ظلما للناس وأخذ حقوقهم بغير وجه حق.

الخوف والجهل

وأمام انتشار سوء استخدام السلطة بملامحه المتنوعة، يأتي صمت الموظفين دون الوقوف أمام ذلك، كتفسير طبيعي لخوفهم من انتقام صاحب السلطة، أو جهلهم بآلية الإبلاغ عنه. وفي هذا الصدد تقول معلمة - تحتفظ "الوطن" باسمها- "نحن كمعلمات نتعرض في كثير من الأحيان إلى الظلم وسوء استخدام السلطة من قبل بعض المديرات، ومن ذلك فرضها علينا بعض القوانين التعسفية كالحرمان من الإجازات الاضطرارية وغيرها، ولا يسعنا إلا الصمت والصبر خوفا من العقاب أو فرض النقل التأديبي كما يحصل مع بعض الزميلات".

ويشاركها الأمر، محمد آل منصور الذي يقول "يعاني بعض الموظفين من المعاملة المتسلطة من رؤسائهم أو مديريهم، وهذا بالتالي سيؤثر سلباً في بيئة عملهم، حيث يمارس بعض المديرين سلطة النظام وبصرامة، وللأسف فمنهم كثير يكيل بمكيالين حيث إنه لا يعدل في كثير من الأمور".

تعسف "القطاع الخاص"

وأوضح الموظف هادي آل عباس "يعمل في إحدى المؤسسات الخاصة" أن تسلط المديرين في القطاعات الخاصة أشد سوءا وضراوة على الموظفين من القطاع الحكومي، وذلك يعود، بحسب رأيه، لسهولة فصل الموظفين وتعيين غيرهم، فترى صاحب المؤسسة أو العمل يقوم بتعيين كثير من الموظفين من أقاربه خصوصا في المواقع الحساسة كونه يثق بهم ويسهل أعمالهم، ويغض النظر عن سلبياتهم ولا ينظر إلى الكفاءة فيما بينهم مما خلق نوعا من التنافر فيما بيننا وهذا بدوره يعكس ظلاله على إنتاج المؤسسة فلم يعد لدينا الرغبة في الإبداع والتميز، إلى جانب غياب روح التعاون.

الكاريزما القيادية

يقول العقيد الدكتور سالم أحمد "قيادي في أحد المستشفيات العسكرية" يوجد تحت إدارتي ما يقارب السبعة آلاف موظف وموظفة ولا شك أن السلطة الوظيفية تحتاج إلى إدارة الحزم وبالذات في الوقت الحالي، كما تحتاج إلى خصائص وصفات في القائد والتي تتضمن أيضا العدل والرحمة والشفافية باستخدام أدوات النظام، ووضع رؤية مستقبلية من خلال أهداف مرسومة في جهاز المنظمة وهذا ما أسميه بـ"الكاريزما القيادية".

وعن سؤالنا له عن استغلال السلطة الوظيفية لتحقيق مصالح شخصية قال "هذا هو جانب الفشل في المدير وهو عامل "السقطة" في أي إدارة كانت، ولا شك أن التفسير والتوضيح لهذه الظاهرة إنما ينم عن حالة الضعف القيادي التي تتسبب في تعطيل سير هيكلة العمل بالشكل الصحيح". مضيفاً "عندما أتحدث عن مستويات عالية من الجودة فإنني أعمل بروح الفريق الواحد وأشجع بصورة ملحة على العمل الجماعي، حيث إن العمل بحالة انفرادية وبطريقة روتينية ينتج عنه ضعف الجودة في الأداء وضعف العمل الاستراتيجي والإنتاج".

التحزب والمحاباة

من جهته يقول مشاري الحامد "مدير وكالة دعاية وتصميم": أستنكر ما يفعله بعض المسؤولين الذين بمجرد استلامهم لمناصبهم يقومون بنقل وتوظيف أبنائهم وأبناء عمومتهم وأصدقائهم، حتى تصبح الإدارة حزبا للقبيلة الفلانية أو المسؤول الفلاني، مشيرا إلى أن ذلك من أساليب سوء استخدام السلطة عبر المحاباة للمعارف، أو التسلط على بعض الموظفين لأسباب شخصية لا تمت للعمل بصلة.

العصا من النصف

وقال :أنا أؤمن بإمساك العصا من النصف أي (لا إفراط ولا تفريط)، هناك من الموظفين من يستحق الحزم والإصرار والصرامة لتقصيره وهناك من يجعلك تهتم لأمره وتحسن معاملته لما يقدمه من إنجاز، وأضاف كل مدير أو مسؤول كان بالسابق موظفا بسيطا عليه أن يتذكر كيف كان، وماذا كان يتمنى ويرى نفسه في جميع موظفيه.

دوافع الإساءة

وحول الدوافع النفسية لإساءة استخدام السلطة سواء بالتسلط أو الفساد، تقول الدكتورة عائشة الشهراني "اختصاصية نفسية" قد يكون المدير يعاني من سمات الشخصية المضطربة مثل الشخصية النرجسية، الاضطهادية، القهرية، الحدبة، السلبية، العدوانية، أوقد تكون بسبب وجود ضغوط إدارية من جهات عليا، أو وجود ضغوط اجتماعية أو أسرية تجعله في حالة من القلق والتوتر والعصبية، وقد تعود إلى الاضطرابات الوجدانية مثل الهوس الخفيف، كما قد تعود الأسباب إلى عدم وجود متابعة إدارية من الجهات العليا.

فيما تقول نادية صالح "اختصاصية نفسية" الأسلوب المتسلط قد ينجز العمل بشكل أسرع، لكنه إنجاز وقتي لأنه يولد على المدى البعيد بيئة مليئة بالنزاعات والتوتر، ومما لا شك فيه أن التسلط له أثر سلبي على معنويات العاملين، مما قد يؤثر بالتالي على أدائهم وإنتاجهم، ولتلافي هذه الحالة ينبغي على المدير أن يكون حازماً في لين ولين في حزم، بمعنى أن يطلب إنجاز المهمة المطلوبة بالشكل الصحيح مع المحافظة على الروح المرحة والعلاقة الإيجابية دون أن تظهر عليه علامات التسلط، وهنا يرجع الأمر لحنكة المدير الإدارية وخبرته العملية، فالأسلوب الإداري الأكثر فعالية يتضمن إنجاز الأعمال بانسيابية ويعمل على تحقيق (المعادلة الصعبة) وهي إنجاز العمل وتحقيق الأهداف مع المحافظة على الحالة النفسية للعاملين.