تنص اللائحة التنفيذية للمادة الرابعة من النظام الصحي السعودي في فقرتها الثانية على أن تعمل وزارة الصحة على التنسيق والتعاون مع الجهات ذات العلاقة – في إطار اختصاص كل منها – لمكافحة الأمراض الوبائية، بوضع الترتيبات واتخاذ الإجراءات اللازمة والكافية لمنع نشوء أو انتشار الأوبئة، سواء منها ما ينتقل عن طريق الماء أو الغذاء أو الهواء أو غير ذلك من طرق الانتقال، و"مراقبة" تنفيذ ذلك و"تقويم" نتائجه. أما الفقرة السابعة من اللائحة التنفيذية للمادة الخامسة فتنص على أن تقوم وزارة الصحة بوضع نظام للإبلاغ والتقصي عن الإصابة بالأمراض الوبائية والمعدية وإجراءات العزل للأمراض التي يلزم عزل المصابين بها، وتوفير الوسائل اللازمة للتحصين ضد هذه الأمراض والإعلان عن طريقة ومواعيد ومكان أخذها وأن تضع أدلة عمل (بروتوكولات) لكيفية التعامل والعلاج في حالة الإصابة بأي مرض وبائي. أما فيما يختص بمجلس الخدمات الصحية فلا تنص أي من فقرات المادة السابعة عشرة من النظام الصحي السعودي ولا لائحتها التنظيمية على أن للمجلس صفة تنفيذية في مكافحة الأوبئة والأمراض المعدية، وإنما دوره تنظيمي وبحثي لسياسات الصحة وخدماتها.

عدم امتلاك مجلس الخدمات الصحية أيا من الصلاحيات التنفيذية لقيادة التفشيات والأوبئة هو النتاج الطبيعي حتى لا تتناقض مواد النظام الصحي ولوائحه التنفيذية والتي نصت بوضوح في مادتيها الخامسة والرابعة على أن وزارة الصحة هي المسؤول الأول والأخير عن قيادة جهود استقصاء واحتواء التفشيات والأوبئة.

مواد النظام السابقة الذكر تتسق مع اللوائح الصحية الدولية الصادرة من منظمة الصحة العالمية التي لا تعترف إلا بوزارة الصحة السعودية كنقطة محورية معنية بتنفيذ هذه اللوائح الدولية والالتزام بها، أي إنه لا يمكن لأي من أعضاء مجلس الخدمات الصحية الرفع بتقارير الحالات والوفيات الناتجة عن التفشيات كفيروس "كورونا" مباشرة لمنظمة الصحة العالمية، حيث إنه يعد خرقا للهيكل التنظيمي لمسارات اتصالات التفشيات ويؤدي إلى ازدواجية في الإبلاغ، وإن حصل فإنه يشير لخلل في إدارة الوباء من قبل وزارة الصحة.

وكما أن وزارة الصحة هي المسؤول الوحيد عن إدارة تفشي كورونا أمام المجتمع الدولي حسبما تنص عليه اللوائح الدولية، باعتبارها النقطة المحورية لتنفيذها، فهي أيضا المسؤول الوحيد عن إدارة تفشي "كورونا" وبؤره محليا بحسب ما ينص عليه النظام الصحي السعودي، والذي يبدو أن الوزارة لم تلتزم به واختلطت عليها الهياكل التنظيمية التنفيذية والتنظيمية والتشريعية، فدخلت في دوامة أضعفت إدارتها للتفشي بشهادة تصاريح عدة سابقة وحالية.

أولى العلامات المثيرة للقلق كانت عندما صرح مدير الشؤؤن الصحية بجدة، سامي باداود ـ قبل ثلاثة أشهر ـ بعدم وجود أي حالة إصابة "كورونا" ردا على إعلان وزارة الصحة مركزيا عن تسجيل حالة، ليتراجع في اليوم التالي مبررا أن الإشراف والتصريح الصحفي عن مستشفى الملك فهد للقوات المسلحة لا يقع ضمن صلاحيات الشؤون الصحية! وهنا تظهر ثغرتان: الأولى؛ ازدواجية التصاريح والإعلانات من داخل الوزارة نفسها، والثانية؛ جهل التنفيذيين بمواد النظام الصحي واعتقادهم أن إدارة التفشي كإدارة المشاريع والمناقصات، وأن الإعلان عن الحالات والوفيات كالإعلان عن الوظائف، كل وقطاعه الصحي.

تكررت هذه الازدواجية طوال عام كامل من التفشي، فوزارة الصحة مركزيا تحدث عدادها وبياناتها المقتضبة وترمي بمهمة توضيح سطور بياناتها المعدودة لمديري الشؤون الصحية في المناطق المؤبوءة، حتى إذا صرح أحدهم بما يخالف ضبابية الوزارة مركزيا، خرجت عن صمتها لتنفي أو تصحح تصريحاتهم.

أما آخر العلامات المقلقة فهي بيان مدينة الأمير سلطان الطبية عما تم تداوله عن بؤرة الرياض، والذي أتى كتنبيه آخر على ضعف أداء وزارة الصحة لعملية استقصاء واحتواء تفشي فيروس كورونا، فالتصريح كان لا بد أن يصدر من وزارة الصحة حسبما نصت عليه المادتان: الرابعة، والخامسة، من النظام الصحي السعودي، وليس من أي قطاع صحي آخر، فهي المسؤولة أمام المجتمع المحلي والدولي عن مراقبة احتواء التفشيات، وتقويم نتائجها بغض النظر عن مكان حصولها داخل المملكة.

بيان مدينة الأمير سلطان الطبية طرح العديد من الأسئلة المقلقة؛ ما السبب وراء الازدواجية في عدم سماح وزارة الصحة لأي من القطاعات الصحية الأخرى، كمدينة الأمير سلطان الطبية، بالتعامل مع منظمة الصحة العالمية وقصر الدور القيادي عليها بينما تتخلى عن دورها هذا محليا؟ هل وزارة الصحة لا تدير التفشي إلا داخل قطاعاتها التابعة لها إداريا فقط؟ وإن كانت كذلك، فما العدد الحقيقي للحالات والوفيات؟ وما هي إجراءات الاحتواء والمتابعة في القطاعات الصحية غير التابعة لوزارة الصحة إداريا؟ وهل تعلم منظمة الصحة العالمية بذلك، حتى تقوم بتعيين بقية القطاعات الصحية الأخرى كنقاط محورية للتبليغ وتنفيذ اللوائح الصحية الدولية؟

من وجهة نظري المركب الذي له أكثر من ربان يغرق، ولا نعلم هل ما زال للمركب وجود أم إنه بحاجة لانتشال من أعماق تخبط وتشتت لم تنجح منارة النظام الصحي السعودي ولم تنجح منارة اللوائح الصحية الدولية في توجيهه نحو المسار الصحيح.