لحظة غروب الشمس على الشواطئ تحمل في طياتها سكونا وتأملا في حمرة الشفق.. إلا أن ذلك يختلف في جزيرة فرسان رغم أن شواطئها خلابة.. ورمالها ساحرة ومياهها صافية.

ويكون الاختلاف على شواطئ فرسان عندما يحمل نسيم البحر معه "بوسي" منذرا بقرب الانتحار الجماعي لببغاء البحر.. وعندما يحين الوقت بين الشروق والغسق وعند إطلاق "العريف" لـ"الضويني" يجمع الصيادون سمك الحريد في لحظة ينتظرها سكان الجزيرة وزوارها بفرح وبهجة.

"بوسي".. وقدوم الحريد

ويبدأ أهالي فرسان بتحديد موعد قدوم الحريد إلى جزيرتهم عن طريق رائحة مميزة تنبعث من سواحل تلك الجزيرة الحالمة، أطلقوا على تلك الرائحة مسمى "بوسي".. ويبدأ انبعاثها بعد غروب الشمس الذي يوافق نهاية شهر أبريل وبداية مايو من كل عام والذي يشهد الحدث الكبير في تلك الجزيرة ألا وهو حفل مهرجان الحريد.

وعن هذه الرائحة المميزة، يقول أحمد الشريف "هي بيوض الشعاب المرجانية الملساء، التي تتكاثر في هذا الوقت من السنة وتحديدا في المساء عندما يبدأ القمر في التكامل".

ويتابع الشريف "الحريد من أنظف الأسماك، فهو لا يأكل إلا الطحالب ودقيق الرمل الناعم، لذلك طعمه لذيذ، ويتفنن الأهالي في تجهيزه"، ومضى يقول "وعلى الرغم من أخذ كل فرد في فرسان كمية من الحريد تفوق احتياجه.. إلا أنهم لا يبيعونه مطلقاً، ولكنهم يتهادونه فيما بينهم، سواء أكان مطبوخاً أو نيئاً".

"الضومنة" تستهوي الصيادين

وفي تلك المساحات الفسيحة لسوق السمك بجزيرة فرسان وأثناء سويعات الأصيل، اجتمع مجموعة من الصيادين من كبار السن - علي بركات، عيسى مظفر، أحمد بلال ومكي أبو أصيل - يتبادلون تلك الابتسامات العريضة التي ترسم الصورة الحقيقية لصفاء نفوسهم في ديوانيتهم التي يطلقون عليها ديوانية السوق، يمارسون لعبتهم الشهيرة الضومنة يشاركهم زوار وسياح الجزيرة تلك اللحظات الجميلة، وقال المسن بركات "لقد بدأ العد التنازلي لانطلاق فعاليات المهرجان، ونحن في ديوانيتنا هذه ننتظر الاحتفاليةٍ السنوية التي قد لا تجدها في أي مكانٍ في العالم سوى في جزيرتنا الساحرة بجمال طبيعتها".

ببغاء البحر

من جانبه قال المسن عيسى مظفر "إن الحريد هو اسم المهرجان نسبة لنوع من الأسماك المرجانية التي تشبه في شكلها الخارجي طيور الببغاء، من ناحية شكل الفم الخارجي وتنوع الألوان الجميلة التي يظهر بها هذا النوع من الأسماك".

انتحار جماعي

وأشار الصياد أحمد بلال وهو منتش بالفوز بتلك اللعبة الشهرية إلى أن موسم الحريد يعتبر من الظواهر الفريدة من نوعها التي تتكرر سنوياً في جزيرة فرسان في منطقة تسمى بنفس الاسم المتداول للسمك وهي منطقة "الحريد" وبالتحديد في ساحل حصيص، حيث إن الحريد يتجمع بشكل كبير وعلى شكل مجموعات ضخمة بعضها قد يزيد على 900 سمكة في المجموعة الواحدة، ويجتمع بالقرب من الساحل فيما يشبه الانتحار الجماعي.. لافتا إلى أن ذلك يحدث عادة في يوم واحد من السنة.

كما تحدث الصياد مكي أبو أصيل عن المهرجان مشيرا إلى أنه عادة قديمة، يحتفل به الأهالي قبل صلاة الفجر، حيث يتجه الفرسانيون بدوابهم وجمالهم في يومٍ واحد من السنة إلى "شاطئ حصيص"، ويصعد الرجال إلى المناطق المرتفعة والتلال المحيطة بالساحل لمراقبة المياه لرصد أي حركة تدل على وجود مجموعة من مجموعات الحريد.

كما التقت "الوطن" بمجموعة من الشباب على شاطىء حصيص حيث بين رامي محمد الرفاعي، أنه بمجرد ما يلاحظ الفرسانيون السواد – يطلق على المجموعات الكبيرة من سمك الحريد - يتجه مجموعة من كبار الصيادين الذين تم اختيارهم إلى البحر لتتم عملية تجميع الحريد، فيما يظل الجميع على الساحل في وضع الاستعداد حتى يصيح العريف بأعلى صوته للانطلاقة ويبقى الأهالي والزوار الموجودون على الساحل حتى يركضوا كل يحمل كيسه ليجمع ما يستطيع حمله من أسماك الحريد.

صيد الحريد

وفي احتفالية سنوية بديعة، ينطلق المهرجان الفريد في نوعه والتي يتكرر سنوياً في جزيرة فرسان في منطقة تسمى بنفس المسمى المتداول للسمك ألا وهو منطقة "الحريد" وتحديدا في "ساحل حصيص".

ولدى أهالي الجزيرة عادات ضاربة في القدم تتعلق بهذا اليوم الذي يحتفل فيه أهل الجزيرة وينشدون الأهازيج ويؤدون الرقصات الشعبية، حيث إن لهذا اليوم أهمية كبيرة في الثقافة الفرسانية. ويأتي هذا السمك دائماً على شكل مجموعات يسميها الفرسانيون بالسواد، أو مجموعات صغيرة فيطلقون عليها اسم "القطعة".

يبدأ مهرجان الحريد، من بعد صلاة الفجر ويجتمع الصيادون على طول الجبال القريبة من الساحل بغية مراقبة سطح الماء، الذي يضطرب عند تواجد سمك الحريد، وما أن يلحظ الصيادون تلك الاضطرابات حتى يتوجه من قد اختاروهم ليضعوا الشبك حول السواد أو القطعة، ولا يخرجون ما اصطادوه من الحريد من الماء حتى لا يموت. ويرى الحريد أثناء وجوده في الشباك يدور دون الاصطدام بالشباك، عندها يتم مناداة الشباب والأطفال لجمع شجيرات (الكِسْب) الموجودة على طول الساحل، ويحيطون بها على السمك ويزيلون الشباك، في عمق لا يتجاوز 75 سم، وعندما يكون كل شيء جاهزاً تماما يصيح كبير الصيادين بأعلى صوته "الضويني" التي تعني الانطلاق، فما يلبث الناس الموجودون على الجبال وعلى الساحل بالركض كل يحمل كيسه المطوق ليجمع ما يستطيع من الحريد وسط جو مليء بالفرح والسرور.

متحف الجزيرة

"الوطن" زارت المؤرخ والشاعر إبراهيم مفتاح في منزله الذي تحول إلى متحف يقصده الزوار والسياح على مدار العام. يقول مفتاح عن المهرجان "يعد من أهم المهرجانات السياحية التي تنُفذ بالمنطقة ويحظى باهتمام واسع من قبل أهالي منطقة جازان وزوارها، حيث ينفذ المهرجان سنوياً احتفاء بظهور أسراب سمك الحريد "ببغاء البحر"، في خور الحصيص بأحد أجمل الشواطئ بجزر فرسان. وبين مفتاح أن المهرجان أصبح يشكل تظاهرة اجتماعية كبرى لأهالي المنطقة ومن المتوقع أن يشارك الآلاف من الأهالي والزوار في مهرجان هذا العام، وكشف الشاعر إبراهيم مفتاح أنها ليست المناسبة الوحيدة، فهناك مناسبات عديدة كمناسبة الشدة - الانتقال من فرسان إلى قرى النخيل أيام الصيف، أيام استواء الرطب -، والمراشة، والشعبانية.

"الضويني".. للظفر بالحريد

ويضيف مفتاح "يذهب كبار الصيادين بعد صلاة الفجر إلى الشاطئ، وبين شروق الشمس وبين الغسق تظهر أسماك الحريد ويحتفل بها أهالي فرسان ويقومون بتطويقها بالشباك ثم يأخذونها ويقربونها من اليابسة، تحت الجبل، عندها يكون عمق البحر لا يتجاوز منتصف الركبة أو الفخذ ويتم جمع الأشجار على شكل حزم لحماية الشبك"، واستدرك مفتاح بقوله "لا ينطلق الصيادون إلى البحر إلا بعد أن يشير العريف بيده ويطلق الكلمة المتعارف عليها "الضويني". وتابع "وعريف الحريد أو المسؤول عن تنظيمه له دور كبير، فالناس كانت تحترمه وتطيعه". ومضى يقول "وكل واحد يحصل على نصيبه من تجميع السمك كل حسب قدرته وطاقته"، لافتا إلى أن سمك الحريد يملك سلاحا فريدا وهو نعومة ملمسه حيث لا يسهل مسكه للزوجته، ويكون الصيد في أجواء من البهجة والفرح، فالعرايس في داخل فرسان كن يحتفلن في منازلهن ابتداء من العصر إلى ما بعد العشاء يغنين الأغاني الخاصة بالحريد.

وقال المؤرخ مفتاح "إن وصول الحريد إلى فرسان يعد ظاهرة طبيعية بحاجة إلى دراسة علمية مكثفة من قبل علماء متخصصين"، مشيرا إلى أن هذه الظاهرة لا تحدث إلا مرة كل عام، بين النصف الثاني من أبريل والنصف الأول من مايو من كل عام حسب الشهور الميلادية". مضيفا أن الدراسات العلمية تشير إلى أن "الغذاء الذي يعتمد عليه "الحريد" يشيع في هذا الوقت من السنة ويرتبط باكتمال القمر".


أمير جازان يطلق فعاليات مهرجان "الحريد"

فرسان: أيمن سالم، سعاد هبة

دشن أمير منطقة جازان الأمير محمد بن ناصر مساء أمس فعاليات مهرجان الحريد العاشر بجزيرة فرسان، وتفقد مرسى قوارب الركاب، وأطلق النشاطات الرياضية من سباقات المشي والعروض والمسابقات البحرية، وذلك بافتتاح سباقات صيد الأسماك، فيما التقى بمشايخ وأهالي محافظة فرسان في مقر المحافظة، واطلع على عدد من المشاريع التي تنفذ بالمحافظة. فيما يطلق اليوم مهرجان الحريد.

ورعى الأمير محمد بن ناصر حفل أهالي فرسان مساء أمس على شاطئ الغذير، وتضمن أوبريت "سيّد الأوطان" الذي قدمه فنانو فرسان وعدد من الفرق الشعبية.

وتزامناً مع انطلاق فعاليات المهرجان، بدأت إدارة الطرق والنقل بجازان تسيير عدد من الرحلات لعبارتي نقل الركاب بين ميناءي جازان وفرسان، والتي تبلغ أكثر من 17 رحلة طوال فترة المهرجان، الذي يستمر خمسة أيام.