كلما عادت ذكرى اليوم الوطني لبلادنا، نزع الشعر إلى استعادة ذلك الوهج الإشراقي الذي يومئ إلى صانع تلك المعجزات فوق رمال الوطن وسهوله وجباله، حين وحد الشتات ودفن الصراع والفرقة والتناحر، واحتشد بكل همته وشجاعته ليعيد مجد آبائه وأجداده، وليحول الصحراء القاحلة إلى أسراب من السنابل والحقول، ولتصغى هامات الجبال إلى صهيل جياده المسرجة وهي تطوي الفيافي والقفار حاملة مساقط الضوء، لتمزق حلكة الليل وتوقظ الصبح من سباته العميق، أمعنت البيارق الخضراء في صعودها فاكتظت ساحات الشعر بالشعر، وأهطعت القصائد بأعناقها تعفر ثوب البطولة وتزهر بالسبائك المشمسة والعطر المبثوث، يقول بشارة الخوري "الأخطل الصغير":

ألا ترى الشعر يعلو وجهه الخجل..

"يا نجد" عفوك أنت الفخر والغزل..

عبدالعزيز أصاب العرب بغيتهم..

لما طلعت عليهم أنت والأمل..

عبدالعزيز وما أومت أكفهم..

إلا إليك إذا قالوا من الرجل؟..

العرب في كل بيت من بيوتهم..

عرس وأنت لرب "البيت" تبتهل..

وتعشب القصائد في حناجر الشعراء وبين ضلوعهم، محبرة في نسغ الشخصية التاريخية التي تتجلى فيها سمات المذخور من الحلم المنشود، وتشعل غافيات المشاعر المتوثبة، يقول شاعر الجنوب محمد علي السنوسي:

أمل لاح في سماء الوجود..

ذهبي السنا زكي الورود..

مشرق كالضحى على الأفق زاه..

كالأزاهير في الربيع الجديد..

ملك لم يطأطئ الرأس إلا..

في ركوع لربه أو سجود..

زان عبدالعزيز تاريخها الفذ..

وأعلى به سجل الخلود..

يستحضر ديوان الشعر العربي مئات القصائد التي قيلت في "صقر الجزيرة"، وهي تفضي وتبوح وتستنبت وتتفاعل مع تلك السيرة المجللة بالتضحية والبطولة والفداء، بعد العقم والاستكانة والهمود، ليزرع في خاصرة الوطن حنطة الفرح المنسي وعذوق الثمر الأشهى في أودية الرمل القاحل، يقول الشاعر أحمد بن إبراهيم الغزاوي:

لله ثم لك الثناء الأوفر فأهنا..

بعيد فجره بك مسفر..

أضحى بك الأضحى سعيداً مشرقاً..

واعتز فيك محلق ومقصر..

حامت بك الآمال وهي جسيمة..

وتلفتت فعيونها لك تنظر..

ولقد سمعت فلم أجد من ناطق..

إلا بعصرك معجباً بك يفخر..

كتبت مواقفك الخلود صحائف..

بيضاً وسطرها النجيع الأحمر..

وكم عمد الشعر إلى مقاربة الفضاءات وارتياد الآفاق، والمساحات التعبيرية والمعطى القولي للتدليل والبرهنة على ما يمثله المؤسس، كرمز تاريخي وحضور مبهج في ضمير الأجيال يقول الشاعر نقولا معلوف:

يا جاعل البيد أمنا بعد وحشتها..

لو أدرك العرب ما أدركت لاستلموا..

لا التاج يبقى ولا الأعمار باقية..

تبقى الرجولة والإقدام والكرم..

جعلت باسمك تلك البيد آمنة..

حتى مع الذئب راحت تسرح الغنم..