لم تتعرض مدينتي في إيران إلى هجوم كيماوي، لكنني وجميع الطلاب في طهران، تلقينا تدريبات في المدرسة حول كيفية التعامل مع مثل هذه الهجمات في حال حدوثها. أنا أتحدث هنا عن السنة الأخيرة في الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينات القرن العشرين عندما بدأ صدام حسين يضرب المدن الإيرانية بالصواريخ. عندما تعرض إيرانيون في مدينة سارداشت وجنود على الجبهة، إضافة إلى أكراد في حلبجة لهجوم كيماوي فمات عدد كبير منهم، وتعرض آخرون لإصابات خطيرة، خشيت السلطات الإيرانية أن تتعرض العاصمة طهران أيضا لهجوم بالأسلحة الكيماوية، ولذلك تلقينا تدريبات في المدارس حول كيفية التعامل مع مثل تلك المواقف.

تلك الذكريات تعود إلى وقت طويل مضى، ولم يكن يخطر ببالي مطلقا أن يقوم أحد في أي مكان في العالم باستخدام أسلحة الدمار الشامل تلك لأي سبب كان. لكن ذلك حدث مع الأسف، ولم يكن أطفال الغوطة مستعدين أو مدربين على التعامل مع مثل هذه الهجمات. مع الأسف، استخدم السلاح الكيماوي مرة أخرى في بلد مسلم وضد إخوة وأخوات وآباء وأبناء لا حول لهم ولا قوة.

الأمين العام للأمم المتحدة بان كيمون، أبلغ مجلس الأمن الدولي يوم الاثنين بنتائج التحقيق التي توصلت إليها بعثة الأمم المتحدة خلال زيارتها لمنطقة الغوطة قرب دمشق في سورية. السيد بان كيمون قال، إن التقرير يمثل صدمة كبيرة. الأمين العام للأمم المتحدة التقى مع الصحفيين بعد اجتماعه مع أعضاء مجلس الأمن وقال إن الهجوم الكيماوي الذي حصل في سورية كان أكبر وأسوأ من الذي قام به صدام حسين ضد الأكراد. بان كيمون قال إن "كمية الأسلحة الكيماوية التي استخدمت في هذا الهجوم في الغوطة كانت أكبر بـ35% من أي نوع من هذه الأسلحة".

الأمين العام للأمم المتحدة قال إن المحققين الدوليين لم تكن مهمتهم تحديد الجهة التي قامت بالهجوم، ولكن مهمتهم كانت معرفة ما إذا وقع الهجوم فعلا أم لم يقع؛ لأنه يعد جريمة ضد الإنسانية، ويجب محاكمة مرتكبيه أمام المحاكم الدولية.

أكثر من 1000 شخص قتلوا في الهجوم الكيماوي في الغوطة، والذي تتبادل كل من الحكومة السورية والمعارضة الاتهامات بارتكابه. الأمم المتحدة أشارت فقط إلى حقيقة أن الهجوم تم بطريقة معقدة، ولذلك فإن الحكومة على الأرجح هي التي قامت بالهجوم. الروس أيضا يدعون أن لديهم أدلة تشير إلى أن المعارضة هي التي نفذت الهجوم لتتهم نظام بشار الأسد.

وبسبب هذا الهجوم، كادت الحرب في سورية تأخذ منعطفا جديدا، إذ هددت الولايات المتحدة بشن هجوم عقابي ضد سورية؛ لأنها عبرت "الخط الأحمر" الأميركي باستخدامها الأسلحة الكيماوية. لكن الروس قدموا اقتراحا يقضي بوضع الأسلحة الكيماوية السورية تحت الرقابة الدولية، والتخلص منها فيما بعد بحلول منتصف عام 2014، واستطاعوا بذلك أن يوقفوا الضربة الأميركية، حاليا على الأقل.

ومن المفترض أن يعود المفتشون الدوليون إلى سورية خلال الأسبوع القادم لإعداد التقارير اللازمة بحلول منتصف نوفمبر، لتقديمها لمجلس الأمن الدولي. نزع السلاح الكيماوي السوري سيكون عملية معقدة وطويلة، لكنه سيمنع استخدام هذا السلاح الفتاك ضد مدنيين أبرياء.

وعلى ضوء هذه التطورات، قدم المجتمع الدولي وعودا جديدة بمساعدة الحكومة السورية والمعارضة، بعد عامين ونصف من الصراع والقتال الدامي، الذي أودى بحياة أكثر من 100000 شخص، على الجلوس إلى طاولة المفاوضات لإيجاد حل سلمي للأزمة. ولكن هل يمكن تصديق هذا الالتزام الدولي الذي سبق وتكرر مرات ومرات دون جدوى؟ الأمين العام للأمم المتحدة أعرب عن أمله في أن يعقد مؤتمر جنيف2 في أكتوبر، بعد انتهاء اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة مباشرة. إذا شاركت جميع أطراف النزاع في سورية في هذا المؤتمر، وهناك مؤشرات بأن ذلك سيحدث، وأن إيران أيضا سوف تحضر، فإن الوصول إلى حل للأزمة سيصبح أكثر واقعية.

الرئيس الإيراني الجديد في نيويورك، والوفد الدبلوماسي عالي المستوى الذي يرافقه يتوقع أن يظهروا مرونة في الحديث عن الأزمة السورية، وربما يكونون مستعدين للحديث عن مرحلة ما بعد الأسد. هناك حديث في الأوساط الدبلوماسية في الأمم المتحدة بأن إيران قد تجري محادثات دبلوماسية عالية المستوى مع الولايات المتحدة خلال اجتماعات الجمعية العامة. مثل هذه اللقاءات ستركز بالطبع على قضيتين أساسيتين: الملف النووي الإيراني، والأزمة السورية. وعلى ما يبدو فإن الإيرانيين والأميركيين كانوا ينتظرون تشكيل الحكومة الإيرانية الجديدة لإطلاق عملية دبلوماسية تسعى لحل مشكلة الملف النووي الإيراني، وبعض القضايا الإقليمية الأخرى، وعلى رأسها الصراع في سورية.

نحن نعيش في عهد يمكن القول إنه فريد ومتميز. الولايات المتحدة يقودها رئيس مثقف حاصل على جائزة نوبل للسلام، وهو مهتم كثيرا بقضايا حقوق الإنسان والسلام أكثر من اهتمامه بالحرب. في مقابلة له في السويد، قال أوباما، إنه يفضل التفكير في تعليم الأطفال الفقراء، بدل أن يشغل نفسه بقضايا الحرب والسلام. ربما كان السبب الذي دفعه للتردد في ضرب سورية، هو رغبته في أن ينظر العالم إلى الولايات المتحدة بطريقة مختلفة بعيدا عن استخدام القوة.

ربما تحول الهجوم الكيماوي البشع في سورية، الذي أدى إلى مقتل أطفال ومدنيين أبرياء، إلى نقطة انعطاف يدفع الأزمة السورية في الاتجاه الصحيح، من خلال إيجاد حل للقتال الدائر هناك، وإيقاف حمام الدم.