قتل تنكيل، هجوم إرهابي، وكله باسم الدين! كل يوم نستيقظ على أخبار تشيب رأس الرضيع في حضن أمه، فكيف بأمة المحبة والسلام، كل يوم أصابع الاتهام تتجه نحونا، أصبحنا ـ بعرف بقية البشر ـ قتلة مجرمين، ومن الجاني؟ نحن! لأننا سمحنا للفكر التكفيري بأن يتسلل إلى مجتمعاتنا، ونحن غارقون في سبات رهيب! خدرنا بخطب رنانة، خارجها محبة وباطنها موت وضلال، وتم تلويث جسد ثقافتنا وتراثنا بسموم الكراهية والتفرقة التي أنتجت من رحمنا من خرج ليقتل العالم ويقتلنا، أصبح كل من هب ودب يفتي ويفسر آيات الجهاد في القرآن الكريم لتبرير القتل العبثي وسفك دماء الأبرياء!

أصبح القتل على الهوية، على الطائفة، وعلى الدين! وما فظائع المذابح التي تتواتر إلينا أخبارها، إلا دليل على مستوى الهمجية التي وصل إليها هؤلاء المجرمون، يهللون ويكبرون وهم يقطعون الرؤوس ويأكلون الأكباد، يسرقون وينهبون تحت ذريعة "غنائم الحرب"، يحللون البغاء تحت مسمى "جهاد النكاح"، يغتصبون النساء ويقتلون الشيوخ والأطفال لأنهم في عرفهم كفار خارجون عن الدين، بل هم الخوارج وهم الشيطان الرجيم!.

وفي الآونة الأخيرة، تم تركيز حقدهم على النصارى، بيشاور، نيروبي! تواتر غريب وكأنهم يستجدون عداء العالم المسيحي، بل بكل غباء يعرضون مسلمي الغرب لخطر أصحاب العقول المغلقة والمتطرفين، جاعلين منهم أهدافا سهلة لتفريغ الكراهية والحقد على الدين الإسلامي! لو أن أحد منا فقط أبحر في الشبكة العنكبوتية سيجد نفسه في مستنقع من الكراهية موجه إلينا.. كيف ترد؟! وعلى من ترد؟! كيف تفسر؟! ولمن تفسر؟! مهما حاولت لن تنجح مع الغالبية؛ لأن من يريد أن يفهم لا يستطيع أن يفهم، وهو في حالة الغضب والفجيعة، ولا تبرد فجعية حتى يتحفنا خوارج هذا الزمن بفجيعة أخرى.. ومن لا يريد أن يفهم سيجدها فرصة لبث المزيد من السموم والاصطياد في المياه العكرة! ومنهم طبعا من ركب حصانه الأبيض وسارع لتقديم المساعدة في محاربة الإرهابيين، لتبييض صفحة إجرامه أمام الرأي العام، بعد تزايد تذمر العالم من تعدياته وإجرامه في حق الشعب الفلسطيني، ومواقف الاتحاد الأوروبي من منتجات المستوطنات التي زرعها على طول وعرض الأرض المحتلة، ولسان حالهم يقول: "ها قد جئناكم منقذين من المسلمين الهمج الإرهابيين الذين نحاربهم قبلكم... من أجلنا ومن أجلكم"!

والمشكلة أن بيننا من يؤمن بأن الله سبحانه ـ تعالى الله عما يظنون ـ يضرب الظالمين بالظالمين! متى كان المدنيون ظالمين، متى كان الأطفال والنساء من الظالمين؟! متى وأين في كتابه العزيز وجدنا آية تحثنا على الاعتداء والقتل والتنكيل بالآمنين؟! متى كانت دور العبادة أو الأسواق أو المدارس أو المشافي أو حتى الطرقات أهدافا تستباح وتُهاجَم؟!

ديننا الحنيف، دين المحبة والسلام يهاجم من الداخل ومن الخارج، نحن اليوم في منعطف خطر في تاريخ أمتنا، إما أن نستيقظ ونضرب الإرهاب ضربة رجل واحد، وإما لنستعد أن نتعايش مع هذا الإرهاب ونعدّه أمرا واقعا، وحينها لا يحق لنا حتى أن نتباكي على مذبحة هنا أو مجزرة هناك، لا يحق لنا أن نعترض حين يفرضون علينا الوصاية، ويجتمعون علينا لسلب سيادتنا على أراضينا بل على عقيدتنا، فكرنا وثقافتنا، لأننا مجموعات من القتلة.. قنابل بشرية موقوتة يجب حماية بقية شعوب العالم منا!.

على مر العصور تمت المذابح باسم الأديان، لم يسلم دين من التعدي على أرواح وأجساد وممتلكات الغير، من الوثنية كحضارات الإيستك والإغريق والرومان، إلى البوذية إلى الهندوس، إلى السيخ، إلى المسيحية، واليوم نضيف لهذا التاريخ المخزي لكل جنس البشرية، المذابح التي تتم باسم الدين الإسلامي! "الله أكبر" التي تخرج من المساجد معلنة اللقاء مع خالق الخلق، أصبحت تجلجل على ألسنة القتلة والجزارين! وبعد أن كانت نداء محبة وسلام أصبحت نذير موت وحرق، بل أصبحت راية للإرهاب على أياديهم الملطخة بدماء الأبرياء!

إنهم يسرقون السلام من دين السلام، يغتالون المحبة من دين المحبة.. يستبيحون الأرض والعرض والأرواح باسم رب العباد، يحركون من قبل عبدة الجهل والشيطان! قد قلنا يوما إن الأرض أمّ، والأرض تسامح وتغفر، وتفتح ذراعيها لمن ضل الطريق، ليعود إلى أحضانها كل من ضل وتاه، ولكننا لسنا الأرض.. وهم لم يتوهوا.. هم من لطخ بالدماء البريئة الأرض والهواء والنبات، لم يعد الأمر يتسع للتسامح أو الغفران.. الآن وقت المواجهة.. الآن وقت الحسم!.