لم أتمالك نفسي عن البكاء، حين شاهدتُ منذ أسبوعين تقريبا "فضايح التأهيل الشامل" التي عرضها برنامج "الثامنة" مع الأستاذ داود الشريان، لنرى بأم أعيننا الانتهاكات اللا إنسانية التي يتعرض لها أبناؤنا المعاقون ممن لا حول لهم ولا قوة، ولم يكن هناك أسوأ من مقطع استعرض كيفية تعامل عمال نظافة ـ وليسوا متخصصين أو ممرضين ـ مع هؤلاء المعاقين في طريقة الاستحمام، بوضعهم على الأرض ورشهم بالماء البارد ـ لا بارك الله فيهم ـ خوفا من حوادث حرق المرضى، فالإدارة منعت تسخين الماء، بسبب حوادث تسبب فيها هؤلاء العمال الذين أتت بهم الشركة المشغلة دون رقابة عن أفعالهم اللاإنسانية واللا صحية خلال الاهتمام بهذه الفئة الغالية، فالعمال ليس لديهم حتى دراية بموازنة الماء بين البرودة والسخونة، ولهذا كان المعاقون يتعرضون للحرق أثناء استحمامهم!

خلال تلك الحلقة برز "شداد السبيعي" الذي أحييه وأنحني له احتراما على شجاعته في قول الحق لمحاربة الفساد، والتي لا يمتلكها إلا قلة قليلة، ولو لدينا عشرة من أمثال شداد يكشفون بواطن الفساد الإداري والمالي بالدليل، فإننا نستبشر خيرا في القضاء على الفساد، بالرغم من أن ما قاله قد يعرضه للفصل أو الطرد من المركز وهو أحد نزلائه من ذوي الاحتياجات الخاصة، ويعمل أيضا في المركز مراقبا، لكن حديثه كان بمنتهى المرارة حول ما يتعرض له أبناؤنا المعاقون، ولم أصدق أبدا ما يتعرضون له من معاملة لا يرضاها دين ولا مجتمع، فحتى الدواء يضعونه مع أكلهم "شختك بختك" بعد خلط بعضه ببعض وكأنه برسيم يعطى للحيوانات!

والمؤسف أن وزارة الشؤون الاجتماعية، والتي لا يتوقف تقصيرها في مراكز التأهيل الشامل عن الانكشاف كل فترة ومن منطقة لأخرى، رغم شينها باتت تهدد "شداد" بالفصل من عمله وطرده من مركز التأهيل الشامل كما صرح في "سبق" الإلكترونية، بل ورفع قضية ضده عقابا له، وكأن المركز ملكية خاصة بمسؤوليها، ثم تبرر ذلك أن شدادا موظف في الشركة المشغلة، صحيح "شين وقوة عين" يا وزارة الشؤون الاجتماعية! ومن هنا أقول لشداد لو تم تهديدك أو الإساءة لك راسل الصحف والكتاب وسينشرون ما تقوله بالحرف الواحد حتى يتوقف الفاسدون عن الفساد. ودون شك، تلك الحلقة كان لها صدى واسع، وتم إعفاء مدير الشؤون الاجتماعية بجازان، وهذا تحصيل حاصل برأيي، فمسؤولو الوزارة في الصف الأول هم المسؤولون بالدرجة الأولى، فمن الذي أقرّ تلك المناقصات على شركات تستقدم عمال نظافة لا ممرضين، كما أن المشكلة يجب ألا تنتهي بإعفاء شخص، بل بإنهاء التعاقد مع تلك الشركة المشغلة، ومحاسبة الذين وقعوا معها وغضوا بصرهم عنها، أم أن هناك ما هو تحت الطاولة! ثم يا وزارة "وين المليارات" التي تخصصها لكم الدولة؟ وكم مليونا دفع للشركة المشغلة الرديئة؟ هذا ما يجب أن تكشفه الصحافة، وأتمنى من الأستاذ الشريان متابعة ذلك بما أنه فتح الملفات الحمراء.