اطلعت على ما نشره الأستاذ/ منصور أحمد الثبيت، في العدد 4579 بتاريخ 3/ 6/ 1434 ردا على تعقيبي السابق "نشوء الإمارات العسيرية كان نتيجة لقيام الدولة السعودية".ولأننا في وارد تصحيح التاريخ، فإنه لزام علي أن أوضح بعض الأخطاء التي وردت في كتاب الأخ منصور. فتاريخ الإمارات العسيرية الموثق بدأ عام 1215 وانتهى بسقوط عسير في يد الدولة العثمانية عام 1289. وبينما أنصف الأخ منصور إمارة آل المتحمي، محمد بن عامر وعبدالوهاب أبو نقطة وطامي بن شعيب ومحمد بن أحمد (1215- 1234)، وأنصف الفترة الأولى من إمارة آل يزيد، سعيد بن مسلط وعلي بن مجثل (1238- 1249)، ووجدته يصب جام غضبه على الفترة الثانية من حكم آل يزيد، عايض بن مرعي ومحمد بن عايض (1249 -1289) رغم أنها تمثل أكثر من نصف فترة حكم الإمارات العسيرية. وأورد فيما يلي أمثلة من تهميشه لهذه الفترة:

أولا: حاول إثبات أنه لا يوجد صلة بين آل مسلط وآل مجثل وآل عايض، رغم أن المصادر المعاصرة لتلك الفترة أكدت ذلك، ومن تلك المصادر ما نقله تاميزيه عن شيخ شهران مشيط بن سالم، لكن الأخ منصور اعتبر أن معرفة الشيخ مشيط غير تامة بحكم بعد بلاد شهران عن السقا. ولشدة حماسة لإثبات عدم صلة النسب استعان بنص من أحد الكتب التي يحذر منها.

ثانيا: تأكيده أنه لا يوجد صلة بين آل يزيد في السقا وآل يزيد في الشعف رغم أن الذاكرة الشعبية، والإخباريين واسعي الاطلاع، يؤكدون هذه الصلة. ويؤكد شاعر آل يزيد الشعف هذه الصلة مخاطبا آل يزيد السقا:

مني سلام الله لصقر من حديد

محلته بأعلى جبالها

بداك شظو من مغيد

والطير ما تنسى عوالها.

ويؤكد شاعر آل يزيد السقا هذه الصلة مخاطبا آل يزيد الشعف:

مرحبا بك يا رفيقي عشرا

فن لك نصف الوطن والتربة

غير أن جدك في القسم قد ظفرا

حل بك وسط الشعف في السربة

وهذا يخالف أيضا ما ذكره الباحث من أن وجود عايض بن مرعي حديث في السقا، إذ إن الأبيات أعلاه تؤكد أن الموطن الأصلي لآل يزيد هو السقا ثم هاجر قسم منهم إلى الشعف وليس العكس. والمرجح أن بعض القبائل هاجرت من جبال عسير إلى الشعف في فترة ماضية، وأقدر أن هذه الهجرة جرت بعد الوباء الذي حدث في بلاد عنز بن وائل في عام 597 فأهلك ساكني ثماني عشرة قرية ولم يبق من قرى عنز بن وائل غير قريتين، فحلتها جماعات من قبائل عسير الأزدية وأصبحت تنتمي إلى عسير.

ثالثا: بعد أن مهد في خمس صفحات عن تولي العبيد والخدم للحكم في فترات تاريخية في أقاليم عربية مختلفة، قال متجنيا إن عايض بن مرعي كان "مجرد خادم" لدى علي بن مجثل، وكرر هذه الفرية بشكل مستهجن في أكثر من موقع، رغم أن تاميزيه يقول: "ومعلوم أن عايض من سلالة "بني مغيد" وهو قائد هذه القبيلة، قبل أن يعتلي سدة الحكم في عسير".

رابعا: كرر في مواقع مختلفة من الكتاب أن عايض بن مرعي سطى على الحكم بعد وفاة علي بن مجثل، إذ تم تعيينه من قبل العسيرين وصيا على الإمارة حتى يكبر الأمير الحقيقي، ابن علي بن مجثل. وقد أتى بهذا المعول مستشهدا بنص لدى تاميزيه يقول: "فتولى ابن عمه الأمير عايض الإمارة والوصاية على ابني الأمير الراحل". والنص واضح وجلي لكنها مشكلة الأخ منصور في فهم النصوص واستخدامها معاول هدم للصول إلى أهدافه المسبقة. والحقيقة أن المصادر المعاصرة لتلك الفترة أكدت أن علي بن مجثل أوصى بالإمارة لعايض بن مرعي.

خامسا: تحدث عن ضعف سيطرة عايض بن مرعي ومحمد بن عايض على القبائل في فترتي حكمهما، رغم أن النصوص والأحداث التي استشهد بها لا تؤكد ذلك، إما لأنها وقعت في وقت هجوم قوات غازية كبيرة، أو لأن النصوص لم تقل ذلك أصلا.

سادسا: تعامل مع الشخصيات العسيرية بشكل مختلف. فقد استشهد بنص لدى تاميزيه ليؤكد ضعف سيطرة عايض بن مرعي على القبائل أثناء تقدم إحدى حملات قوات محمد علي باشا عام 1250، وقد ورد في النص اسم شخصية عسيرية، وصف تاميزيه مهمتها بالتجسس، فما كان من الأخ منصور إلا أن أزال اسم الرجل من النص، وهو أمر محمود نظرا لملابسات تلك الحملة، لكن الأمر غير المحمود هو التفرقة بين الشخصيات التاريخية العسيرية.

سابعا: عدد الكاتب الإمارات العسيرية، ولم يعتبر إمارتي عايض بن مرعي ومحمد بن عايض من الإمارات العسيرية، واعتبر إمارة علي بن مجثل آخر الإمارات العسيرية، وذلك بحجة أن هذين الأميرين هادنا العثمانيين ووقعا معهم اتفاقيات سلام. وبناء على ذلك فقد وصف فترة حكمهما بالإمارات العثمانية. والحقيقة أن جميع الإمارات في الجزيرة العربية في تلك الفترة كانت تحاول استرضاء العثمانيين وحصل حكامها على مناصب شرفية من الدولة العثمانية ولم يقتصر الأمر على أميري عسير فقط، والنص الذي اعتمد عليه يشير إلى ذلك، إلا أن الكاتب تجاهل هذا الأمر.

ثامنا: أشار الأخ منصور في كتابه إلى أن الدكتور محمد آل زلفة، كان من مصادر المزورين؛ لأنه تربطه بهم صداقة. وقد بُني هذا الاتهام الكبير على أدلة وافتراضات ضعيفة.

تاسعا: أشار بشكل غريب إلى أن التشيع كان منتشرا في أجزاء كبيرة من بلاد قحطان وبلاد شهران قبل عام 1215. والحقيقة أن هذه الإشارة غريبة جدا ولا يوجد مصادر تعضدها.

عاشرا: كي يثبت أن عسير قبائل عدنانية، رجح الباحث أن ألمع اسم مكان وليس اسم جد لقبيلة مخالفا ما ذكرته كتب الأنساب. وأشار إلى أن بارق أكثر شهرة من ألمع، رغم أن قبائل بارق حاليا لا تساوي 10% من قبائل ألمع، حسب قوله. والحقيقة أن كثيرا من كتب الأنساب تدمج ألمع وبارق، وقد أشار إلى ذلك الصحاري (توفي 511هـ) في كتابه (الأنساب) فقال: "فأما ألمع وبنو ملادس وبنو شبيب بن عمرو بن عدي، أخي بارق، وهو سعد بن عدي، منهم من يجعلهم من قبائل بارق، وليس كذلك وإنما هم بنو عمرو بن عدي". وورد في معجم ما استعجم "أقامت خثعم بن أنمار في منازلهم من جبال السراة وما والاها: جبل يقال له شن، وجبل يقال له بارق، وجبال معهما، حتى مرت بهم الأزد في مسيرها من أرض سبأ، وتفرقها في البلاد، فقاتلوا خثعما، فأنزلوهم من جبالهم، وأجلوهم عن منازلهم، ونزلتها أزد شنوءة، غامد وبارق ودوس، تلك القبائل من الأزد، فظهر الإسلام وهم أهلها وسكانها." ونقل ياقوت الحموي (توفي 626هـ) عن هشام نفس النص تقريبا. وذكر الملك الأشرف الرسولي في "طرفة الأصحاب في معرفة الأنساب" أن قبائل الأزد ست وعشرون قبيلة، وأكد أن أشهرها قبائل جفنة والأوس والخزرج وخزاعة وأسلم وبارق وألمع.

والاختلاط بين قبائل ألمع وبارق واضح للعيان، إذ إن جزءا من قبائل شبل بن بارق التي تشكل أكثر من نصف قبيلة علكم العسيرية يقيمون بجوار قبائل ألمع ويختلطون معهم. وإذا كانت الذاكرة الشعبية قد حفظت اتصال نسب بني شبل بجدهم سعد "بارق" بن عوف بن عدي، فإنه من المؤكد أن هناك قبائل مجاورة لهم ينتسبون إلى نفس الجد. ومن ذلك ما تحفظه الذاكرة الشعبية من أن بني منبه وبني جري وبني جعفري وآل غالب وآل السريع هم أخوة لآل الحارث بن سعد "بارق" بن عوف بن عدي بن حارثة الأزدي، وقد هاجر أغلبهم إلى أطراف أراضي قبيلة عسير الشرقية الجنوبية، وذلك يرتبط كما ذكرنا بما أصاب قبائل عنز بن وائل من وباء. وهذا يرد على ما ذكره الأستاذ/ علي بن زحيفة الشهراني في العدد (4592) من أن بني مالك عسير ترجع إلى شهران، مستدلا بوجود بني منبه في بني مالك. والحقيقة أن بني منبه عسير لا تنتسب بتاتا إلى بني منبه شهران؛ لأنهم عسيريون فرعا أزديون أصلا، إذ انتقلوا من بلادهم الأصلية (تية) إلى مواقعهم الحالية. يقول شيخ بني منبه حين ذاك معمر بن الجبر المنبهي العسيري على أثر صراعاتهم مع جيرانهم، من قصيدة طويلة:

(تية) حميناها بروس حرابنا = وظامتني الحمى فلا عادلي بها

نتج حوار ثم رده ينثني = فإذا انثنى (فتية) أغصبني بها

وعلى ذلك فإن هناك تمازج بين قبائل ألمع بن عمرو بن عوف بن عدي بن حارثة الأزدي وقبائل سعد "بارق" بن عوف بن عدي بن حارثة الأزدي، وهي تشكل جزءا كبيرا من عسير السراة. وهذا من الأسباب التي تجعلنا نقول أن قبائل عسير هي تحالف لقبائل متعددة من الأزد، وهذا لا يمنع أن هناك قبائل عدنانية انصهرت فيهم. ويؤكد أزدية عسير أيضا تحديد ياقوت الحموي في معجم البلدان لمخلاف شنوءة الذي أسماه مخلاف (شن)، إذ ذكر أنه يبعد 42 فرسخا عن صنعاء. وتبعد صنعاء أفقيا عن أبها (375 كلم)، بينما مخلاف شنوءة (شن) بموجب تحديد الحموي يبعد (363 كلم) وهذا يعني أن مخلاف شنوءة (شن) يبدأ من بداية الحدود التاريخية لقبائل عسير السراة.

عبدالرحمن عبدالله آل حامد - أبها