في غمرة فرح الناس بيوم المملكة الوطني الثالث والثمانين، وفي ظل قيام بعض الجهات بمهامها، كان من المتوقع أن يكون هنالك نوع من تعارض الرغبات واختلاف التوجهات، وكان من المتوقع أن يكون هنالك شيء من المخالفات وشيء من محاولة ضبط ومعالجة هذه المخالفات بما يليق من إجراءات، ولكن الشيء الذي لم يكن يتمناه أي منا أن يختتم ذلك اليوم بحادث أليم راح ضحيته شابان في مقتبل العمر إثر ملاحقتهما أو مطاردتهما من قبل بعض رجال الهيئة الذين اشتبهوا فيهما أو كان لهم فيهما رأي أولوه على أنه دافع وداع للمطاردة التي انتهت وفق ماقرأنا في الصحف للأسف.

هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، جهاز مهم في دولتنا الحبيبة نحبه ونقدره، وأصوره بأنه "فلتر" الهواء الذي يسعى لأن ينقي بيئتنا من أي شوائب تمس عقيدتنا أو من الممكن أن تهز إيماننا، ولهذا فإنه لكي تقوم الهيئة بدورها الحيوي فقد لزم أن يكون لها من الصلاحيات ما يمكنها من القيام بدورها أمثل القيام وبما يحقق لنا الاطمئنان والأمان الذي نأمله مع وجود جهاز كالهيئة.

تنص المادة الثامنة من تنظيم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على أن "تقوم الهيئة - وفقاً للأحكام والإجراءات المنصوص عليها في نظام الإجراءات الجزائية - بضبط مُرتكبي المُحرمات أو المُشتبه بهم في ذلك بمساندة أفراد الشرطة المرافقين لها، عند الحاجة"، وهذا يعني أن لرجال الهيئة صفة الضبطية الجنائية بموجب تنظيم الهيئة ولائحته التنفيذية، وكذلك بموجب نظام الإجراءات الجزائية الذي حدد هذه الصلاحية في رؤساء المراكز في حدود اختصاصهم، ثم أضاف في نص أكثر شمولا وعمومية، الأشخاص الذين خولوا هذه الصلاحية بموجب أنظمة خاصة، وهو ما قد يفسر على أنه يشمل أفراد الهيئة بالإضافة إلى رؤساء المراكز، خصوصا أن تنظيم الهيئة الجديد لم يحدد هذه الصفة في رؤساء المراكز، كما أن لائحة التنظيم التنفيذية تعطي صلاحية الضبط الجنائي لرجال الهيئة في حدود الباب الأول.

قبل الخوض في التفاصيل، لا بد أن نبين أن مهمة الضبط الجنائي الأساس هي الاستدلال أو جمع الأدلة، أما التحقيق فمهمة هيئة التحقيق والادعاء العام، وفي مرحلة الاستدلال يبقى من يُوجه إليه الاتهام بريئا ولا يكون "متهما"، لأن الاتهام من دور المحقق، بينما رجال الضبط الجنائي ليس لهم صلاحية التحقيق من حيث الأصل، إلا أن المشرع لم تفته أهمية إعطاء هذه الصلاحية بشكل استثنائي لرجال الضبط الجنائي، ليجعل منها حالة استثنائية عليها من القيود الشيء الكثير، وهي مرتبطة بالتلبس بالجريمة والندب، أي أن هنالك ـ مع الندب ـ شرطين للملاحقة والقبض، هما وجود ما ينطبق عليه وصف الجريمة، وأيضا وجود حالة تلبس بهذه الجريمة، وهنا يأتي التعارض أو ـ على أقل تقدير ـ الخلط بين الباب الأول من اللائحة التنفيذية لنظام الهيئة وبين نظام الإجراءات الجزائية، فاللائحة تحدد مخالفات شرعية، وأيضا تتحدث عن القيام بالمحرمات، بينما يعالج نظام الإجراءات الجزائية الجرائم وما يدور في فلكها، وهذا يوقع لبسا وخلطا بين ما يمكن لرجل الهيئة بصفة الضبط الجنائي ونظام الجزاءات وبين ما يمكنه بصفة الانتماء للهيئة ونظامها. (من المحرمات والمخالفات الشرعية ما ليس بجريمة، مثل شرب الدخان)

وقد حددت اللائحة التنفيذية عددا من المخالفات الشرعية التي تخول أفراد الهيئة صلاحية القبض، ومنها الاحتفال بالأعياد والمناسبات غير الشرعية، وهو ما يمثل إشكالية نظامية أخرى، فالاحتفال باليوم الوطني ليس محرما، لأنه ليس عيدا شرعيا كما يراه البعض، بينما هومحرم في نظر البعض الآخر ممن يصل بهم الأمر في بعض الأحيان للاحتساب بمنع مظاهر الاحتفال به مهما كانت.

لكن بغض النظر عن هذا الأمر فإن النظام واللائحة لا يعطيان رجال الهيئة صلاحية القبض في حالات الاشتباه فقط، وفي حال عدم التلبس، وغاية ما هنالك أنها تعطيهم حق الاستيقاف، وفرق كبير بين الاستيقاف وبين القبض.

وعلى هذا، فحادثة ناصر غزاي القوس وأخيه على ما تم وصفه في الإعلام و"تويتر" فيها الكثير من التجاوز والمخالفة، فوفقا لما نشر فإن أفراد الهيئة اشتبهوا في شربهما المسكر وأنهما مخموران وهو ما ثبت عكسه بالتحليل، وهذا الاشتباه لا يمنح الهيئة في النظامين حق القبض، لأنها ليست حالة تلبس، فالتلبس مرتبط بالجرم ذاته لا بالشخص. كما أن المطاردة هي من أعمال المتابعة والقبض وكان يغني عن المطاردة الحصول على رقم لوحة السيارة مثلا ثم رفعه لجهة الاختصاص بحسب اللازم لاتخاذ الإجراء المناسب، بل إن المطاردة مخالفة من ناحية الضرر المتوقع منها وهو ما يحرص نظام الهيئة على تلافيه قدر الإمكان والامتناع عنه.

ولهذا فإن الهيئة في نظري لم تلتزم بالنظام ومسؤولة مرفقيا بالدية المغلظة للقتيلين، والأفراد قد يكونون مسؤولين جنائيا، وتأتي مسؤوليتهم الجنائية من باب الخروج عن مهام وظيفتهم وارتكاب ما يغلب به الإضرار بالمتوفيين، رحمهما الله.

ما أسلفت هو مجرد وجهة نظر تحتمل الخطأ والصواب، ولكن بغض النظر فإنني أدعو لتثقيف الهيئة وأعضائها قانونيا، ذلك أن ضعف الثقافة القانونية هو من أسباب ما يوقع أفراد الهيئة في هذه الإشكالات التي نحن في غنى عنها.

أيضا أدعو لمراجعة اللائحة التنفيذية لنظام الهيئة لنفي ما فيه من لبس وتعارض مع نظام الإجراءات الجزائية، ولوضعه وفقا للنسق والسياق الذي نأمل أن تستمر الهيئة في أداء دورها من خلاله.