قاعدة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" قاعدة أصيلة في الدين الإسلامي، يقول تعالى: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر".. التساؤلات المطروحة: كيف نحقق الخيرية التي وصف بها القرآن هذه الأمة؟ كيف نفعّل قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأسلوب حضاري يسهم في تقدم المجتمع؟ كيف يمكن الاستفادة من هذا المبدأ بما يحصن مجتمعاتنا من عوامل التطرّف والكراهية؟ كيف نطبق مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأسلوب لا يتم فيه التعدي على حقوق الإنسان والحريات الأساسية؟

الإجابة عن هذه التساؤلات تحددها الطبيعة الثقافية والحضارية للمجتمع، فالنموذج "الطالباني" مثلا يُعد أسوأ نموذج لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمعات الإسلامية في التضييق على حريات الناس، وملاحقتهم وترقب عثراتهم، والتعدي على كرامتهم، فأصبحت أفغانستان أسوأ مكان يمكن أن يعيش فيه إنسان. وعندما انزاح هذا الكابوس، عمت مظاهر السعادة المدن الأفغانية كافة.

المجتمع السعودي اليوم ينعم بحراك اجتماعي واسع، وقد فتح المجال واسعا أمام تقويم عمل "هيئة الأمر بالمعروف" بغية تصحيح مسارها ومنع تعديها على الحريات الشخصية. ومن يتابع الصحف السعودية اليوم، يجد رصدا واسعا لممارسات الهيئة، وهذا يدل على أهمية دور وسائل الإعلام في كشف وتصحيح الكثير من الأوضاع التي تمس أفراد المجتمع، وأن الإعلام هو أداة رئيسة لرصد وتوثيق الانتهاكات الخاصة بحقوق الإنسان.

في الأسبوع الماضي كانت قضية مصرع الشاب وإصابة زميله الآخر في الرياض، إثر مطاردة سيارة الهيئة لهما من أبرز الأخبار التي نشرتها الصحف السعودية، وتناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي، إذ بدأ المغردون بإطلاق تغريداتهم التي تستنكر تلك المطاردة التي قام بها رجال الهيئة للشابين في هاشتاقات تم إنشاؤها لهذا الموضوع منها: نطالب بإدانة_رجال_الهيئة_بقتل_الشابين، لافتين إلى أن هذا الأمر لا يجب السكوت عنه، وعلى الجهات المختصة إنزال أقصى العقوبات بالمتسببين في مقتل الشاب ناصر القوس وإصابة شقيقه سعود القوس "المتوفى دماغيا". ما الدروس المستفادة من هذه الحادثة، خاصة أن لدينا تجارب سابقة ومن أشهرها مطاردة الباحة التي أزهقت فيها أنفس؟

1- الممارسات المتكررة من بعض أفراد هيئات الأمر بالمعروف، في ملاحقة المواطنين تناقض مواثيق حقوق الإنسان الدولية كافة، ومن أهمها الحق في الحياة، وكذلك تعد مخالفة لقوانين الهيئة، إذ إننا لا نعرف كيف يمكن التوفيق بين تأكيد الرئيس العام على منع المطاردات، وما نسمع عنه من استمرارها بنفس العنف والشدة؟!

2- إن جُلّ عمل هيئات الأمر بالمعروف ينحصر في منطقة "المُختلف فيه فقهيا" عبر فرض آراء فقهية خلافية ليست من الثوابت، وهذا مخالف للمقررات الشرعية القاضية بأنه "لا إنكار في المختلف فيه فقهيا".

3- مطاردة الناس بهذه الطريقة الفجة فيها تشويه لمبدأ "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" في أعين الناس ونفّرتهم منه، وكرههم في الهيئة ورجالها، خاصة على مستوى جيل الشباب.

4- عدم إصدار البيانات المستهلكة إبان كل حادثة، خاصة عبارة: "أخطاء الهيئة فردية ولا يمكن أن نعممها على الجهاز بأسره"؛ لأنه إذا تكرر الخطأ وبنفس الصورة فلا علاقة له بما نسميه "التصرف الفردي"؛ بل يصبح هذا التصرف جزءا من تركيبة ثقافية يجب الاعتراف به، واتخاذ التدابير كافة لمعالجته بشكل جذري وبكل شفافية.

5- إعادة النظر في العبارة التي غالبا ما تصدر من المسؤولين في الهيئات وهي: "إن الخطأ إذا وقع من رجال الهيئة تم تضخيمه وتعظيمه في وسائل الإعلام فالمطلوب أن نزن الأمور بميزان العدل"، لأن كل جهاز حكومي يتصل بالجمهور يواجه حملة إعلامية شديدة، بمعنى الشيء نفسه يمضي على الأجهزة الأخرى كافة: المالية، والصحة، والكهرباء، والتعليم، ومصلحة المياه.. إلخ.

أخيرا أقول للدكتور عبداللطيف آل الشيخ: متى سنرى لائحة العقوبات التي ستصدر بحق أعضاء الهيئة المخالفين؟