ولم تكن الأحوال المدنية حتى عهد قريب بذات انفراد عن باقي الدوائر الحكومية، التي كانت تضربها البيروقراطية صباح مساء، حتى أكسبت السعوديين شيئا من صبر "أيوب"، وكثيرا من فراسة "إياس"، ونزرا من ذكاء "شريح"، وكمية كبرى من سخرية "برنارد شو"!
على نطاق الأحوال المدنية تحديدا، فقد كانت مراجعة فرعها الوحيد سابقا، الذي يتخذ من أكثر مناطق الرياض ازدحاما مقرا له، نوعا من "التراجيديا" مكتملة النمو، إذ لن تنجو من هناك ما لم تكن تمتاز بمواصفات خاصة، أقلها أن تمتلك بنية جسمانية تقترب كثيرا من بنية مصارعي "السومو"، وذلك للفوز بأحد الأرقام القليلة التي توزع بعشوائية إنسان العصر الحجري!. الذهاب لمقر الأحوال المدنية سابقا كان يتطلب كثيرا من اللياقة البدنية، وكثيرا من "مرسول لك من فلان"، وكثيرا من دعوات الوالدين الصادقة، وعددا لا منتهي من الإمضاءات والأختام، لتأتي النتيجة بعد ذلك بطاقة تحوي صورة بائسة لكائن حي لن يستخدمها مستقبلا إلا في تعاملاته الرسمية، أو لإثارة فزع إخوته الصغار وإجبارهم على النوم مبكرا!
كل ما سبق كان في العهد الماضي، أما اليوم وبعد أن تجددت الدماء هناك، وبعد أن اعتلى مناصب القيادة شباب واعد، حمل على عاتقه مسؤولية التغيير، فكان أقرب من أي وقت مضى من هموم المراجعين، وطوع التقنية بشكل سلس لخدمتهم، فاستطاع في فترة قياسية تغيير الصورة النمطية لبيروقراطية المكان.
لمن زار الأحوال المدنية أخيرا، لن تخطئ عيناه دقة التنظيم، وجودة الخدمة، وسرعة الإنجاز، وعدالة النظام، بل وأكثر من ذلك، بشاشة الموظفين، الأمر الذي سيجعلك تفخر بحق لرؤيتك إدارة حكومية بهذا المستوى من الإنتاجية والكفاءة والامتياز، وسيزيد حتما من مستوى التفاؤل بداخلك، شريطة ألا تقترب من بعض الدوائر الحكومية الأخرى، التي ما زالت صامدة ضد رياح التغيير، والتي من شأنها إعادتك لمربع التشاؤم من جديد!
شكرا للثائرين على البيروقراطية في الأحوال المدنية، شكرا لمواكبتهم العصر، شكرا لتفهم احتياجات الناس وتقديرهم لمشاغلهم، شكرا لهذا النموذج الراقي في التعامل مع المراجعين.