اليوم، يكرم نادي أبها الأدبي، ثلاثة من رواد الإبداع والبحث الأدبيين في منطقة عسير، وهم: د عبدالله أبو داهش، بوصفه رائد البحث الأدبي في هذه الجهة، والشاعر أحمد بيهان بوصفه صاحب أول ديوان مطبوع لشاعر من عسير، سنة 1391، والقاص محمد علوان بوصفه صاحب أول مجموعة قصصية مطبوعة لأديب من عسير، سنة 1397.
هذا الثالوث أنموذج لذوي التأثير، وممثل حقيقي للريادة التي يكون لها ما بعدها، فالباحثون في أدب جنوبي المملكة، يعتمدون اعتمادا كبيرا على النتاج العلمي للدكتور "أبو داهش"، إلى الحد الذي أحال مؤلفاته المبكرة إلى مصادر؛ لأنها تحوي نصوصا لم توجد قبلها إلا في بعض قصاصات أو مخطوطات غير محققة، مما يجعل من "أبو داهش" علامة فارقة في البحث الأدبي السعودي، وشخصية باقية في أحداق الباحثين ما بقيت المعرفة، وما بقي الباحثون عنها.
أما أحمد بيهان، فإن الناظر في القصائد المبكرة لشعراء عسير، حتى نهاية العقد الأول من القرن الهجري الحالي، يلحظ أثر شعره على قصائدهم، وبلغ الأمر أن صار بعضها تقليدا مباشرا، يحتذيها حذو المعنى بالمعنى، ويتفق مع قصائده الأصل حتى في الوزن والقافية، وكأنها معارضات دون أن تكون كذلك، ولذا أمكن القول إن أحمد بيهان قد أثر في شعراء جيله ولاحقيهم بدرجة تكاد تتساوى.
ويأتي محمد علوان، الذي أصدر مجموعته الأولى: "الخبز والصمت"، سنة 1397هـ، ليكون ذا فضل على كل من أمسك بعده بقلم، ليكتب القصة مستحضرا حبّ أسلافه الجبليين، فضلا عن أن هذه المجموعة نالت اهتمام الباحثين في القصة السعودية عبر السنوات اللاحقة، فكانت من المجموعات التي اعتمد عليها الدارسون الأوائل في القصة السعودية، كما اتصل الاهتمام بها في الكثير من الدراسات المحلية والعربية التي تهتم بأثر المكان في الفن.
اهتمام الباحثين بمجموعة علوان الأولى كان ظاهرا إلى الحد الذي جعله ملحوظا لأي باحث منذ الجمع الأولي لأي معلومات عنها، أو إشارات إليها، وهو ما تأكد لي بعد حوار قصير مع د. حسن حجاب الحازمي، إذ كان هذا الأمر أول ما لفت انتباهه.
الريادة الحقيقية لا تقف عند أن يكون الرائد "أولا"، وإنما تتجاوزها إلى التأثير، وإلى توجيه مسارات الإبداع أو البحث، وهو ما كان عند هؤلاء الثلاثة دون خلاف.