خلال هذا العام كتبت هنا ثلاث مقالات عن هيئة الأمر بالمعروف، حاولت من خلالها ممارسة نقد موضوعي مستندا على حوادث وقعت، وأحكام قضائية صدرت، وتصريحات صحفية لبعض قيادات الهيئة نشرت، ومما قلت حينها إن مدير عام فرع الهيئة بالرياض الدكتور عبدالله الشثري، دعا رؤساء مراكز الهيئة خلال اجتماعه بهم إلى: "ضرورة العمل بما تمليه عليهم الأوامر الشرعية والأنظمة المرعية التي تحث على الالتزام بسلامة الإجراءات فيما يقفون عليه من ملاحظات ومخالفات، والحرص على حفظ حقوق الناس وحرياتهم التي كفلها لهم الشرع والنظام، وعدم التصعيد عند معالجة تلك المخالفات، مع أهمية الالتزام بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، الذي تنتظم فيه خصال الرفق واللين وتلمس الأعذار للناس ما أمكن ذلك، فالأصل فيهم السلامة". وقلت إن هذا الكلام الجميل هو ما كان يقوله الدعاة والمفكرون الصادقون الموضوعيون، لكنه نادرا ما كان يلتفت له، لأن هناك عددا من رجال (الهيئة) كانوا لا يعيرون الناصحين بالاً، فوقعوا تحت سيطرة وتوجيه المتعاطفين معهم من غير الموضوعيين الذين دافعوا كثيرا عن تجاوزاتهم وأخطائهم، حتى قيل إن هناك من كان يكذب من أجل تبرئة فعل ما، أو الدفاع عن شخص ما، كونه يعمل في الهيئة.

إلا أنه منذ حادثة اليوم الوطني المأساوية والحزينة والتي راح ضحيتها مواطنون جراء مطاردة سيارات الهيئة، ألحظ أن هناك هجوما حادا وشديدا مليئا بالشتائم عبر كافة وسائل الإعلام التقليدية والجديدة لم يسلم منها أي من منسوبي الهيئة، بل تجاوزت تلك الانتقادات الهيئة لتنال من المتدينين ومن الشعيرة ذاتها، ولهذا عدت لأكتب مجددا عن الهيئة، وأنا هنا لن أعلق على الحادثة قبل أن تكون لدي معلومات واضحة ومحايدة عما جرى، لكن ما أزعجني هو ذلك النقد غير الموضوعي ضد الهيئة، وهو نقد لا يمكن قبوله البتة كون كثير منه لا يخلو من تصفية حسابات بين تيارين ظلاّ لعقود يتصارعان في بلادنا، وبدى ذلك أكثر في السنوات القليلة الأخيرة مع وجود الإعلام البديل أو الجديد.

فبمثل ما انتقدت في تلك المقالات الثلاث بعض رجال الهيئة وانتقدت أيضا الذين يدافعون عن أخطائهم دون وعي وبكيفية تزيد من احتقان الناس واتخاذهم مواقف سلبية تجاه الهيئة، أجدني مفجوعا ومتأسفا من بعض ما يكتب ضد الهيئة ورجالها وضد المتدينين بشكل عام في هذه الأيام بعد حادثة اليوم الوطني، فالحادث أليم والمشهد مروع والخسارة فادحة والحزن جاثم على صدور ذوي المتوفين وعلى صدورنا كلنا لكن ما حدث لا ينبغي أن يصرفنا عن قول الله تعالى (ولا تزر وازرة وزر أخرى)، ثم إن مثل هذا النقد والشتائم لن يصلح من حال ما تعانيه الهيئة من حماس أو اجتهاد غير مبرر من بعض منسوبيها.

فالملاحظ أن هناك من يكتب ضد الهيئة انتصارا لمواقفه الذاتية منها وانتقاما وتشفيا من المتدينين، ولهذا دائما ساحتنا المحلية ساخنة بين تيارين حول أشياء لا تستحق هذا العناء وهذا الوقت المهدر من أجلها!