الصورة الشعرية هي صوغ لساني، من خلالها تتمثل المعاني وتتم إحالتها لصورة مرئية معبرة بشكل متميّز ومتفرّد، أي تحويل اللامرئيات من المعاني المجردة إلى محسوس، فالنص الشعري المتقن هو نص يمتزج فيه الواقع بالخيال، ليرسم بالكلمة قصيدة بصرية متخيلة يتماهى فيها، اللغة والأحاسيس والبيان والترميز، والعنصر الحسّي ركيزة أساسية فيه.
وبأدوات الباحث والشاعر قدمت الشاعرة حليمة العسيري رسالتها "المرأة لدى شعراء عسير" لنيل درجة الماجستير ونالتها بامتياز مع مرتبة الشرف من جامعة الملك خالد بأبها، حيث صيغت هذه الدراسة بطريقة منهجية علمية أكاديمية من خلال عرض القصائد المختارة وتحليل مضامينها، وبيان جماليات الصورة الشعرية ومدلولاتها. ونقلت الشاعرة والباحثة "حليمة" القارئ لقصائد شعراء عسير التي تناولت المرأة بوصفها ملهمة على مر العصور السابقة والحالية واللاحقة، في الفنون القولية والبصرية، والعامل المهم في تخفيف حدّة التوتر للتقليل من هول المصائب، فتجلو عن النفس الغم والكرب، وتزرع مكانهما شتلات الأمل والتفاؤل، فالصورة القولية تنبع من حالة المرأة الوقتية، إن فاضت أشرق الكون، وإن أظلمت باتت الحروف في النفس حبيسة الأنات والآهات.
وشعراء عسير صوروا المرأة أما وأختا وزوجة، وقليل منهم صورها حبيبة وقد يكون دلالة حياء أو لطبيعة المجتمع الذي يعيشون فيه، فصوروا الأم في قصائدهم أنها منبع الطيبة، ودفق حنان لأنها تمنح بلا منّة على الدوام.
لكن الأم حضرت موتاً لدى أغلبهم مثل عايض القرني وعبدالرحمن الشهري ومحمد الحفظي، إلا عند عبدالله الزمزمي.
وها هو الشاعر أحمد عسيري تنزف قصائده الناتجة عن ألم فقد أمه وكأنه هو والمكان لم يصدّقا رحيلها.
"تعرّى الحزن يا أماه
فوق الجرح والشمعة
من التحديق قد صدئت
زوايا البيت والشرفة".
ثم تبين كيف تناول شعراء عسير، توصيف الزوجة رغم قلة نصيبها في الشعر العربي.
ويصور الشاعر عبدالوهاب آل مرعي تجليات وجدانية عن العلاقة الزوجية في ديوانه "جرح ينزف بالمسك".
"أنيسة دربي الممتد أنت القول والفعل
وهبتِ الحب طفلينا وهبتِ حبك الكل".
ولزينة الحياة الأبناء جانب مهم في نتاج شعراء عسير، وها هو محمد حسن العمري ينثر بوحه في وصف ابنته.
"هي سلوة القلب بين أضلعي هي راحتي من كل هم إذا نزل"
وصوّروا المحبوبة كما تقول الشاعرة "حليمة": محبة طلعها هضيم، بماء نمير،وتؤتي أكلها طيباً سائغاً، ولا غرو فالحب هو أجزل وقود لقريحة الشاعر، يقول: عبد الله الزمزمي (رحمه الله).
" الحب إحساس قلوبنا
تحيا بأنفاس يعطّره اليقين!
هو روضة غناء يشدو طيرها
على الشمال أريجه وعلى اليمين!
فالشعر فعل استعاري يختلط فيه الموضوعي بالذاتي بالرؤيوي بالمرجعي، مصدره إدراك داخلي لدى المبدع المتمكن من إقامة علائق ودلالات متجددة مع الموجودات الخارجية، وتعتمد على الاتحاد والتمازج، لا على المقارنة والتميّز، لتنتج عن ذلك صورة شعرية متفردة من خلال ربط الوجود بالإحساس. واستطاعت القصيدة الحديثة تناول أي جانب من خلال الإسقاط وتوظيف الرمز.