أنطلق هنا وأبدأ من خاتمة مقالي السابق، وأعود إلى العلاقات الثنائية "السعودية - الماليزية" في ظل تطوراتها الإيجابية على شتى الاتجاهات السياسية والاقتصادية والثقافية والسياحية.. توصيفاً في عدة نقاط:

• النقطة الأولى والمهمة، تتجه نحو العلاقات الاقتصادية بين السعودية وماليزيا والتي تحتل جانباً أساسياً على مستوى إطار العلاقات الثنائية بين البلدين، فيمكن فيه أن يولي البلدان فرصاً استثمارية أكبر لزيادة هذا التعاون عبر الشراكات مع الشركات الماليزية وبيوت الخبرة فيها في تنفيذ مشاريع البنى التحتية ومشاريع الطاقة والمياه.. كذلك على مستوى قطاع الصناعات الزراعية، لا سيما أن السعودية فيها بيئة جاذبة لتنفيذ كافة الاستثمارات.

• ثانياً.. تكثيف الجانب الثقافي بشكل مستمر في جميع المناسبات والاحتفالات وفي جميع ولايات ماليزيا عامل مهم وركيزة أساسية لتعريف الماليزيين بشكل أكبر عن ثقافتنا واتجاهاتنا، وإلى منعطف البحث والتعليم، فالتعاون الوثيق بين الجامعات السعودية والماليزية في المجالات البحثية وزيادة في تبادل الزيارات العلمية وإقامة المؤتمرات وتبادل الخبرات والبرامج والتجارب.. وكذلك بتكثيف برامج "المنح الدراسية" للطلاب الماليزيين المميزين الذين تحتضنهم الجامعات السعودية، مع استقطاب للكوادر المميزة الماليزية من أعضاء هيئة التدريس والباحثين ليدرسوا في الجامعات السعودية.. كله سيعزيز من العلاقات الثقافية والتعليمية بين البلدين ويزيد من فرص التطوير والاقتصاد المعرفي بشكل أكبر.

• ثالثاً.. وفي منعطف آخر جاذب، نجد عبر سنين وجيزة في صياغة حضارة ومسيرة أمة أن "صناعة السياحة" في ماليزيا غدت جزءاً لا يتجزأ من خطة الـ2020 المدروسة والمكثفة بتقنيات مذهلة من مهندسها وعرابها رئيس الوزراء الأسبق مهاتير محمد، لتمتد إلى رئيسها الحالي وعاشق اقتصادها نجيب رزاق، اللذين نجحا في نقل بلادهما المغرية للعالم بأسره، والسعوديون تحديدا بدأت مؤخرا هجرتهم السياحية نحو ماليزيا؛ لتميز أجوائها الطبيعية والاجتماعية.. واكتملت لديهم أسباب القناعة باختيار هذه الدولة الأنيقة، ويمكن هنا للسعوديين الاستفادة بشكل أكبر "عكسياً" من علم السياحة والفندقة والضيافة وصناعتها بتكثيف وسائل الاستثمار العلمي في الجامعات الماليزية والشركات السياحية الكبرى، وفي الجانب العملي كذلك بالإشراف والمشاركة في تنفيذ الخطط والبرامج السياحية السعودية للاستفادة منها.

• رابعاً .. وفي مقابل "ثالثاً" نجد أن أعداد الماليزيين المسافرين إلى المملكة وخاصة لزيارة الأماكن المقدسة وصلوا إلى مستويات عالية خاصة في موسم العمرة، حيث يصل عدد التأشيرات التي تصدرها السفارة السعودية في كوالالمبور حوالى ثلاثة آلاف تأشيرة في اليوم الواحد، وفي نفس المنعطف نجد أن تجربة ماليزيا رائدة في مجال تنظيم أداء مناسك الحج لمواطنيها، حيث تفردت في إنشاء مؤسسة استثمارية تساعد الماليزيين على أداء هذه الشعيرة الدينية بالصورة المثلى، فالحكومة الماليزية من أوائل الدول التي اهتمت بشؤون الحجاج الى الأماكن المقدسة منذ الستينات وقامت بإنشاء هيئة الحج الماليزية "طابونق حاجي"، مما أكسبهم خبرات كبيرة في كيفية تنظيم أمور الحجاج، لتصبح بعثات حجاج ماليزيا من أفضل بعثات الحج تنظيماً خلال موسم الحج والعمرة، وهنا يمكن استنساخ التجربة من ماليزيا لتتشارك السعودية معها في تصديرها علميّاً وعمليّاً إلى جميع الدول الإسلامية في العالم، مع الاستفادة كذلك من الكفاءات العلمية والبحثية في هذه المؤسسة ليمكن الاستعانة بهم في معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج، ومعهد الحرم المكي.

سفير خادم الحرمين الشريفين في ماليزيا فهد بن عبدالله الرشيد، الذي - وللأمانة - صنع في مدة وجيزة، حضوراً دبلوماسياً رائعاً في ماليزيا، عند لقائي معه حول كيف نكون "ساتو سعوديماليزيا"؟ أجابني: "نحن كذلك، فالسعودية تحظى باحترام كبير ورائع لدى كافة الأوساط الرسمية والشعبية والتجمعات الإسلامية في ماليزيا، فهي بالنسبة لهم تشكل وحدة العقيدة الدينية والروابط الروحية، وماليزيا تتقارب وتلتقي كثيراً في عدة اتجاهات، بدءاً من العادات والثقافات.. وتمثل لنا دولة إسلامية صديقة نفخر ونعتز بها وعلاقتنا بها متميزة بكل ثقة ومتانة وتميز في جميع المجالات والأصعدة بفضل من الله، وقد حرصت فيها الحكومتان على بذل كافة الجهود للحفاظ على التميز في العلاقات والعمل والشراكات وعلى دفعها إلى الأمام من خلال وضع آليات متجددة، ولكننا يمكن أن نطوّر، وهذا ما نحن عليه حالياً في التركيز على الشراكات من أجل الاستمرارية في أي مشروع يجمعنا، كان علمياً على مستوى الجامعات أو اقتصاديّاً أو سياحيّاً، وكذلك نحرص على تفعيل مجالس رجال الأعمال السعودية الماليزية وكذلك الغرف التجارية، وننتظر ونشجع المبادرات في المشاريع التي تمثل تربة خصبة للطرفين، لا سيما أن السعودية بيئة جاذبة لتعدد مشاريع البنية التحتية فيها، وكذلك للمستثمرين السعوديين في ماليزيا عن طريق الملحقية التجارية، كما يمكن الاستفادة من تجربة الصيرفة الإسلامية والبنك المركزي..".

العلاقات السعودية الماليزية علاقات ثنائية تاريخية دولية وثيقة، وودية ورائدة للغاية، وفي نفس الخط الأفقي والعمودي نحو التوأمة والشراكة في التجربة والفائدة تحتاج إلى تطويعها للعمل لبناء أمة بحضارة حديثة نحو عطاءات الأوطان.