=فجأة ظهرت على الساحة المصرية التي تعجّ بالغرائب وتجليات الكوميديا السياسية السوداء حركة تسمى "حشود" قدمت مذكرة للحكومة، عبرت فيها عن احتجاجها على زيارة ملك البحرين الأخيرة للقاهرة بزعم أن البحرين تشهد انتهاكات لحقوق الإنسان.

وبصدق لم أفهم سّر اهتمام "حركة مصرية" بالبحرين وأحوالها، بينما تشهد البلاد أحداثًا جساما، وصراعات لا حصر لها، فماذا يدفع مصريين لتجاهل ما يجري حولهم من أحداث، لترتجف أوصالهم تجاه البحرين؟!

بحثت وتقصيت، وسألت بأوساط الحقوقيين عن هذه الحركة وهويتها، ولم أصل سوى لجواب وحيد: لا نعرف عنها شيئا، حتى عبر الإنترنت لم أعثر سوى على صفحة راكدة على موقع التواصل "فيسبوك" لا يراها أحد.

نسيت الأمر، حتى قرأت تقريرا لصحيفة "وورلد تريبيون" الأميركية، يكشف عن مخطط أميركي لزعزعة الاستقرار في دولتين عربيتين هما: مصر والبحرين خلال العامين الماضيين، وهنا استيقظت حواسي، عقب قراءة التصريحات التي نسبتها الصحيفة الأميركية لرئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الأسبق، الجنرال "هاج شيلتون"، الذي كشف عما وصفه بخطة تبنتها أجهزة الاستخبارات الأميركية لاستهداف النظامين في القاهرة والمنامة باعتبار الأولى "عاصمة محورية" إذا نجحت فيها تجربة "الإخوان المسلمون" فإنها ستتحول لمنصة لإطلاق المنظومة السياسية لمحيطها الإقليمي، وستكون "مصدر إلهام" لامتدادات الإخوان في عواصم أخرى.

أما المنامة، ووفقا تقديرات الجنرال شيلتون، التي أكدها مجددا لشبكة "فوكس نيوز" الإخبارية الأميركية فهي "نقطة ضعف" منظومة مجلس التعاون الخليجي، وبالتالي ستكون "فريسة سهلة"، لكن الجنرال استدرك قائلاً إن العاهل البحريني أحبط تلك المؤامرة عام 2011، حين وافق على قرار مجلس التعاون بإرسال قوات خليجية لبلاده للمساعدة بمواجهة مخطط للفوضى دعمته إيران بالمال والسلاح، وإثارة النعرات الطائفية في بلد يتعايش فيه الجميع بسلام، حتى لو شهد بعض الأزمات أحيانًا، فعليك البحث عن "الأصابع الفارسية" بعناية.

الجنرال الأميركي، شغل منصبًا رفيعًا ببلاده وهو رئاسة هيئة الأركان الأميركية المشتركة، وبالتالي ينبغي أن تؤخذ تصريحاته على محمل الجد، ونقلتها شبكة "فوكس نيوز" بعد مقابلته المُثيرة مع صحيفة "وورلد تريبيون"، التي كرر فيها القول: "إن وزير الدفاع المصري الفريق أول عبد الفتاح السيسي، الذي كان يشغل منصب رئيس جهاز المخابرات الحربية، كشف المؤامرة الأميركية لدعم الإخوان المسلمين للوصول لسُدّة الحكم، وما أعقب ذلك من ممارسات استفزازية للرئيس السابق محمد مرسي وجماعته من التغول على مؤسسات الدولة لإقصاء معارضيه، مما أثار احتجاجات شعبية أطاحت به على النحو المعروف".

ونبقى مع تصريحات الجنرال الأميركي الذي خدم في عهدي الرئيسين: بيل كلينتون، وجورج دبليو بوش، والتي فجّر فيها قنبلة من العيار الثقيل، حين اعترف بأن السيسي كتب نهاية مشروع الشرق الأوسط الجديد، وأضاف أنه: "لو لم تتم الإطاحة بالرئيس الموالي للإخوان، لتكرر السيناريو السوري بمصر، وجرى تدمير جيشها، وشّق صفوفه.. هذا ما قاله حرفيًا، وتلك التصريحات موجودة بمقابلته على موقع شبكة "فوكس نيوز" الإلكتروني.

ويمضي الجنرال الأميركي قائلاً إن الدول العربية ـ خاصة مصر والسعودية ـ تجاهلت مخططات وتهديدات واشنطن لتُشّكل تحالفاً قويًا، أما الخبر الجيد في هذا السياق الخطير فهو توقعات الجنرال بأن مصر في طريقها للاستقرار الأمني والسياسي، وأن ممارسات بقايا الجماعة هي "رقصة الموت الأخيرة" بعد انتحارها سياسيًا، ونبذها شعبيًا لتعمد تعطيل السلم الاجتماعي بالمواجهات الدامية مع قوات الجيش والشرطة.

وأخيرًا يكشف الجنرال الأميركي عن لقائه بالعاهل البحريني خلال مهمته بالأسطول الخامس الأميركي بالمنامة، وقوله له: إن تلك المؤامرة أضرت بالعلاقات الأميركية ـ الخليجية وأدت لاهتزاز الثقة بواشنطن، بعدما اتضح ضلوعها في التآمر على دول مجلس التعاون، بالتماهي مع "المخططات الفارسية"، وإن القادة الخليجيين يدركون أن اختيار البحرين كان مدخلاً لانهيار نظام مجلس التعاون الخليجي، لتتمكن شركات النفط العملاقة من السيطرة على النفط في الخليج.

لهذا كانت زيارة عاهل البحرين الأولى لمصر تحمل رسالة قالها بوضوح: "إن استقرار مصر لصالح الجميع، لأنها العمق الإستراتيجي للدول العربية تاريخيًا، كما أن العلاقة الحميمة بين مصر ودول مجلس التعاون مهمة جداً، وأن البحرين برئاستها الدورة الحالية لمجلس التعاون تؤكد ذلك وتدعمه بكل الإمكانيات".